الخميس، 12 يناير 2012

فلاديمر لينين

فلاديمر لينين 
اول رئيس للاتحاد السوفيتى 
(عاش 22 ابريل 1870 إلى21 يناير 1924 م)

فلاديمر لينين
ڤلاديمير إلييتش لـِنين المعروف ب (لينين) (بالروسية Владимир Ильич Ульянов) ولد باسم: ڤلاديمير إلييتش اوليانوڤ(بالروسية: Влади́мир Ильи́ч Улья́нов), وعرف كذلك بالأسماء التنكرية نيكولاي لنين و ن. لنين, (عاش 22 ابريل 1870 إلى21 يناير 1924 م). ثوري روسي، كان قائد الحزب البلشڤي والثورة البلشفية ضد الإمبراطورية الروسية إبّان حكم القياصرة، كما أسس المذهب اللينيني السياسي. يُعد لينين أول رئيس للاتحاد السوفييتي، وهو الذي رافع شعار "الأرض والخبز والسلام". 

بداية حياته

حياته الثوريةوُلد في مدينة سيمبيرسك الروسية (تعرف اليوم باسمأوليانوڤسك)، لأب يعمل في القطاع العام ويؤمن بانتشار الديموقراطية في الإمبراطورية الروسية. ويذكر أن جدّ لينين تحول إلى المسيحية بعد أن كانيهودياً. وقد درس لينيناللاتينية واليونانية في الجامعة. في مايو 1887 م، أعدم أخوه شنقا لتورطه في اغتيال القيصر ألكسندر الثالث. وكان لإعدام أخيه الأثر الكبير في تطرّف أفكاره، الأمر الذي أدّى إلى القبض عليه وإقصائه من الجامعة؛ لمشاركته في احتجاجات طلابية. تابع لينين الدراسة بشكل مستقل وحصل على درجة المحاماة في عام 1891.
بدلا من ممارسة مهنة المحاماة بعد حصولة على الرخصة القانونية التي تؤهله، انصرف لنين إلى العمل على تفعيل العمل الثوري والانعكاف على دراسة الماركسية في مدينة سانت بيترسبرگ. وفي7 ديسمبر 1895، تم القاء القبض عليه وتوقيفه لمدة عام كامل ومن ثمة نفيه إلى صحراء سيبيريا. وفي يوليو من عام 1898، تزوج لينين من الاشتراكية "ناديجدا كروپسكايا" وفي ابريل من عام1899 تمكن لينين من اصدار كتابه المعنون بـ "تطور الرأسمالية في روسيا". ومع نهاية مدة نفيه في صحراء سيبيريا عام 1900، انتقل لينين في روسيا واوروبا وعمل على انشاء الصحيفة الاشتراكية "إسكرا" كما عمل على نشر الكتب المتعلقة بالعمل الثوري. وكان لنين من الاعضاء النشطين في حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي وفي عام 1903، تزعم لينين الحزب البلشفي. وتم اختياره لزعامة حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي عام 1906، وانتقل إلى العيش في فنلندا عام1907 لدواعي أمنية. ولم يمنع سفر لينين من استمرار الرجل في عقد الاجتماعات الاشتراكية في شتّى انحاء اوروبا والدعوة للفكر الاشتراكي. وفي 16 ابريل 1917 عاد لينين مرة اخرى إلى روسيا عقب الاطاحة بالقيصر الروسي نيقولا الثاني وتبوأ مكانته من بين البلاشفة في روسيا ونشر في صحيفة الـ "برافدا" "اطروحة ابريل" التي تروي وجهة نظر لينين في كيفية ادارة روسيا سياسياً. وبعد الثورة العمالية الفاشلة في يوليو من نفس العام، اضطر لينين للمغادرة إلى فنلندا مرة اخرى لدواعي أمنية ومن ثمة عاود الرجوع إلى روسيا في اكتوبر مدججاً بالسلاح ليقود الثورة ضد حكومة "كـِرنسكي" المؤقتة.

الزعيم

واجه الرئيس لينين تهديد الغزو الالماني فلم يجد مناصاً من تجرع السم والقبول بمعاهدة سلام مع الالمان الا ان المفاوضين الروس لم يمتثلوا لأوامر لينين وكانت النتيجة ان خسرت روسيا الكثير من أراضيها الغربية. وفي 30 اغسطس 1918 وبعد ان انتهى لينين من احد الاجتماعات وكان في طريقه إلى سيارته، اقتربت منه "فانيا كابلين" ونادته باسمه فلما التفت اليها لينين أطلقت عليه 3 أعيرة نارية إستقرت واحدة في كتفه والثانية في رئته. وخوفاً منه من التوجه إلى المستشفي ضناً منه بوجود قتلة بانتظاره هناك، أصر لينين على التوجه إلى مسكنه ولم يتمكن الاطباء من استخراج الرصاص لصعوبة تواجد الطلقات في جسم لينين الا انه في النهاية شفي من الطلقات النارية. ويعزى سبب تدهور صحة لينين بعدها وإصابته بنوبات قلبية إلى الطلقات التي أصابته في الـ 30 من اغسطس.
ولعل أول محاولة للينين لتصدير الاشتراكية الثورية كان عن طريق غزو بولندا بعدما قامت الثانية بغزو اوكرانيا في الماضي. وتمثل الفكر اللينيني في تصدير الثورة إلى غرب اوروبا إلى فرنساوالمانيا بالاستعانة بالجيش الاحمر مروراً ببولندا عام 1920. وبفشل السياسة اللينينية بتصدير الثورة إلى اوروبا الغربية، عمد لينين في مارس 1921 على بعض الاصلاحات الداخلية فشجع الاعمال الزراعية والصناعية الصغيرة الا ان ثورة البحّارة في نفس الشهر حالت دون تحقيق امال لينين في الاصلاح الاقتصادي الداخلي.
ويذكر ان محاولة الاغتيال وهموم ادارة الدولة أخذت نصيبها من صحة لينين فاصيب بجلطة في مايو عام 1922شلّت نصف جسمه الايمن وقللت من مشاركاته السياسية. وبحلول شهر ديسمبر من نفس العام، المّت جلطة ثانية بالزعيم لينين وأمرت الإدارة السياسية ان يبقى لينين بعيداً عن الأضواء. وفي مارس 1923، اصيب لينين بجلطة دموية ثالثة ألزمته الفراش وحرمته القدرة على الكلام. وبحلول 24 يناير1924، اصيب لينين بجلطة رابعة وكانت القاضية.
ومن بين الـ 27 طبيباً الذين اشرفوا على علاج لينين، 8 فقط وقّعوا على تقرير المشرحة الذي يقول ان سبب الوفاة كان تجلط في الدم. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اتضح ان لينين مات موتاً مؤلماً وبطيئاً و وجد ما يشير إلى أنه كان مصابا بالزهري. 

وفاته : 
في عام 1918 أصيب لينين برصاصتين في محاولة اغتياله في رقبته وكتفه وتوفي لينين بسبب نزف دموي في الدماغ بالساعة السادسة وخمسين دقيقة من يوم 21 ك 2 1924 م، وقد أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي نداء إلى الشعب السوفيتي نعت فيه لينين وجاء فيه:-
لقد مات الرجل الذي تحت قيادته الكفاحية رفع حزبنا بيد قوية وفي غمار دخان البارود ارتفعت راية أكتوبر الحمراء في بلادنا بأسرها وحطم مقاومة الأعداء وأقام سيادة الكادحين في روسيا القيصرية السابقة ووطد دعائمها، مات مؤسس الأممية الشيوعية وزعيم الشيوعية العالمية وموضع حب وتقدير البروليتاريا العالمية واعتزازها وراية الشرق المظلوم ورئيس دولة العمال في روسيا.
الماركســـية والمجتمـع
ينطلق الفكر الماركسي من جدل الفكر والواقع.... ويرى أن المطلق الوحيد في هذا المجال هو نسبية الأفكار، وان الفكر يكون أكثر فاعلية للحياة والتأثير كلما كانت ثوابته أقل ومتغيراته أكثر.
ونسبية الفكر ثلاثة أبعاد :-
01 نسبية زمنية: إذ أن ما يكون صحيحا اليوم قد لا يكون كذلك غدا بسبب تبدل الواقع.
02 نسبية مكانية: فما يصح في مجتمع ما قد لا يصح في مجتمع آخر في الزمان ذاته وذلك بسبب اختلاف الواقع.
03 هي نسبية شخصية أو فردا نية: فكل فرد، كل باحث أو مفكر أو مجتهد يفهم الفكر ويتعامل معه وفق خصائصه الشخصية وتكوينه العقلي والنفسي.
وهذه الأبعاد الثلاثة لاسيما البعدين ( المكاني والزماني ) اختلاف الواقع بين مجتمع وآخر. والشخصي أو الفرداني: من حيث ( اختلاف الرؤيا والاجتهاد بين شخص وآخر ).
ولذلك نؤكد نسبية النظرية المطلقة وضرورة مراجعتها أفكارا ونصوصا مراجعة مستمرة كي تبقى أداة منهجية وفعالة واختلاف الإنسان من حيث التربية البيئية والعادات والتقاليد والاعتقاد والرؤيا واجتهاده هي التي تحدد نظرته إلى الكون والحياة وتلك النظرة تكون نسبية وليست مطلقة بين إنسان وأخر فكل فرد وكل باحث أو مفكر أو مجتهد يفهم الفكر ويتعامل معه وفق خصائصه الشخصية وتكوينه العقلي والنفسي وتربيته البيئية. يقول علماء الاجتماع: أن الحقائق الخارجية موجودة بيننا بصرف النظر عن صورها الذهنية عندنا إلا إننا لا نعرف هذه الحقائق إلا على طريقتنا الخاصة أي حسب طبيعة حواسنا التي هي الوسيلة الوحيدة التي نملكها للمعرفة وان أفعالنا تتأثر بالميول والأهواء التي توحي بها حواسنا.
ويقولون ايضآ: أن مصدر المعرفة عند الإنسان هي الحواس فهي التي تقدم لنا المعطيات الأولية وهذه بدورها تبقى فينا على شكل صور وبهذه الصور يتصرف فكرنا وبواسطته يبني فالأحاسيس تدخل عن طريق الحواس فتحتفظ بها الذاكرة وتشكلها مخيلة الإنسان ومن ثم تقوم هذه المخيلة بترتيب الأحاسيس(في العقل) ومجموع هذه الترتيبات هي معرفة الإنسان التي على ضوئها يتصرف ويتعامل الإنسان مع الآخرين وبما أن أفعالنا تتأثر بالميول والطريقة التي تتعرض لها حواسنا فأن الحقائق لايمكن فهمها إلا على طريقتنا الخاصة حسب مصالحنا وظروفنا الشخصية ولذلك تعتبر هذه الحقائق الخاصة حسب مصالحنا وظروفنا الشخصية ولذلك تعتبر هذه الحقائق مختلفة بين إنسان وآخر في الزمان والمكان والشخصية الواحدة في المكان والزمان الواحد وفي المكانات والبقع الجغرافية الأخرى والأزمنة المختلفة وكذلك الشخصية أن معرفة الإنسان تتكون من روافد متعددة وهي:الطبع الموروث وتجربة الحوادث والناس والدروس والاطلاع.
من هذه المكونات تنطلق النظرية الماركسية العلمية في تطبيق محتوياتها وفكرها العلمي الخلاق ومن ظروف وخصوصيات الإنسان تبنت النظرية الماركسية العلمية مبدأ الأممية وعقيدة العلمانية باعتبارها نظرية إنسانية علمية تشمل جميع الشعوب المستغلة والمقهورة والمضطهدة والمحرومة في جميع أنحاء العالم وترسم لهم دروب النضال والكفاح من أجل حقوقها المشروعة في حياة سعيدة ومرفهة تقوم على العدل والمساواة والقضاء على رأس المال العالمي.
حينما أسس ماركس مع أتباعه لجنة مركزية هي اللجنة المركزية الأممية ورع مع رفيقه ( أنجلز ) النداء المعروف بالبيان الشيوعي وأصدره نداء إلى جميع العمال والكادحين في العالم سنة 1848 م ودعا فيه إلى الثورة العمالية العالمية ومحق الطبقة البورجوازية واستبداله بحكم العمال دون سواهم وختم نداءه بالعبارة التاريخية (ياعمال العالم أتحدو).
أن النظرية الماركسية العلمية لا تقتصر على فئة من البشر أو قطعة جغرافية محددة في العالم وإنما تشمل البشرية في جميع أنحاء المعمورة كما أن الطبقات الاجتماعية لا ينحصر وجودها في بقعة محددة أو مجموعة بشرية معينة وبما أن هذه الفئات البشرية تختلف بين منطقة وأخرى من حيث القومية والدين وبما أن فكر النظرية الماركسية العلمية يشمل العالم من أقصاه إلى أقصاه لذلك حتى لا تستطيع الطبقة البرجوازية أن تستغل هذه الثغرات الموجودة في المجتمع ( الدين والقومية ) وتفرق وتشتت بها وحدة الكادحين من عمال ومضطهدين ومحرومين ) لذلك جعلت العلمانية والأممية من صلب النظرية الماركسية العلمية مبدأ ثابت يوحد الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم في النضال والعمل ضد الرأس مال العالمي وإسقاطه والقضاء عليه. وقد ذكر ماركس أن الاستغلال التي تقوم به الطبقة البورجوازية هو ذات صفة واحدة واسلوب واحد في جميع أنحاء المعمورة ولذلك توجد طبقة واحدة للعمال مستغلة من قبل رأس المال في جميع أنحاء العالم وان اختلفت أانتماءات هذه الطبقة القومية والدينية وكذلك الطبقة البورجوازية. يقول ماركس: أن الناحية الاقتصادية والمعيشية في حياة الإنسان تشكل نقطة الانطلاق في بناء في بناء المجتمع الأصلح وكيف أن ( فائض القيمة ) تمكن الرأسمالي من امتلاك الآلات الصناعية والتجارية وكل وسائل الإنتاج بحيث يجعل العمل شيئا مستأجرا فقط فلا يحصل العامل على شيء من فائض القيمة أي الإرباح مما يجعل القسم الأكبر من الإنتاج وأرباحه من نصيب مالك وسائل الإنتاج ولا يبقى للعمل إلا القسم الزهيد.
وان العلاقة بين رأس المال والعمل تظهر من خلال طبيعة العمل فالعامل ينتج الروائع للأغنياء لكنه ينتج الحرمان للعمال وينتج القصور للأثرياء وينتج الأكواخ للعمال وينتج الجمال للأغنياء ولكنه ينتج التشويه والبشاعة للعمال. 

الثلاثاء، 10 يناير 2012

محمد الفاتح


محمد الفاتح 
سابع السلاطين العئمانيين 
((1446م-1451م))

محمد الفاتح

لسلطان الغازي محمد الثاني الفاتح
 (بالتركية العثمانيةفاتح سلطان محمد خان ثانى؛ وبالتركية الحديثةFatih Sultan Mehmed Han II أو II. Mehmed) والذي عُرف في أوروبا خلالعصر النهضة باسم "Mahomet II"، أي ذات اللفظ الذي كان الأوربيون يلفظون به اسم نبي الإسلام،[3][4] هو سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان، يُلقب، إلى جانب "الفاتح"، بأبي الفتوحوأبو الخيرات، وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب "قيصر" إلى ألقابه وألقاب باقي السلاطين الذين تلوه.[5]حكم ما يقرب من ثلاثين عامًا عرفت توسعًا كبيرًا للخلافة الإسلامية.
يُعرف هذا السلطان بأنه هو من قضى نهائيًا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استمرّت أحد عشر قرنًا ونيفًا، ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة،[6][7] وعندالأتراك فهذا الحدث هو "فاتحة عصر الملوك" (بالتركية: çağ açan hükümdar).
تابع السلطان محمد فتوحاته في آسيا، فوحّد ممالك الأناضول، وتوغّل في أوروبا حتى بلغراد. من أبرز أعماله الإدارية دمجه للإدارات البيزنطية القديمة في جسم الدولة العثمانية المتوسعة آنذاك. يُلاحظ أن محمد الثاني لم يكن أول حاكم تركي للقسطنطينية، فقد كان أحد الأباطرة الروم السابقين، والمدعو "ليون الرابع" (باليونانية: Λέων Δ΄) من أصول خزرية، وهؤلاء قوم من الترك شبه رحّل كانوا يقطنون سهول شمالالقوقاز. كان محمد الثاني عالي الثقافة ومحبًا للعلم والعلماء، وقد تكلّم عدداً من اللغات إلى جانب اللغة التركية، وهي: الفرنسية، اللاتينية، اليونانية، الصربية، الفارسية، العربية، والعبرية.[8][9]


مولده

ولد "محمد الثاني" عام 30 مارس 1432 / 833هـ ، وتولى السلطنة عام(855/1451م)، فكان عمره يومذاك اثنين وعشرين سنة، وأراد أن يتمم ما بدأ به أبوه. وقد نجح في فتح القسطنطينية

شخصيته

لقد امتاز السلطان 'محمد الفاتح' بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل، كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها من شيوخه كالشيخ آق شمس الدين وكذلك من مدرسة الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى أنه اشتهر أخيراً في التاريخ بلقب محمد الفاتح، لفتحه القسطنطينية .

سياسته

انتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات، ولقد برز بعد توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيراً بالأمور المالية فعمل على تحديد موارد الدولة وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ أو الترف. وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر. وعمل على تطوير إدارة الأقاليم، وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم، وعزل من ظهر منه تقصير أو إهمال، وطور البلاط السلطاني، وأمدهم بالخبرات الإدارية والعسكرية الجيدة مما ساهم في استقرار الدولة والتقدم إلى الإمام. وبعد أن قطع أشواطاً مثمرة في الإصلاح الداخلي تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحهاونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها، ولم يكتف السلطان محمد بذلك بل أنه عمل بجد من أجل أن يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، والمعقل الاستراتيجي الهام للتحركات ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن، والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة والمسيحية بصورة عامة، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية وتحقيق ما عجز عن تحقيقه أسلافه من قادة الجيوش الإسلامية .

إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عنه

ورد في مسند أحمد بن حنبل في الحديث رقم18189
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَعَافِرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ
اللهم اجمعنا بالصادقين أمثاله في الآخرة

حياته

بنى قلعة على مضيق البوسفور على الشاطئ الأوروبي مقابل القلعة التي بناها السلطان بايزيد على الشاطئ الآسيوي كي يتحكم بالمضيق ، ويمنع وصول الإمدادات إلىالقسطنطينية من مملكة طرابزون الروحية الواقعة على ساحل البحر الأسود شمال شرقي الاناضول، ورأى قسطنطين أن محمد الثاني عازم على دخول مدينته فعرض دفع الجزية التي لم يريد فرفض السلطان ، ورأى أن يتزوج بأرملة السلطان مراد الثاني أم السلطان محمد وكانت لا تزال على نصرانيتها فرفضت واعتكفت في بعض الأديرة. أراد السلطان الفاتح بعدئذ أن يتوجه إلى بلاد المورة لاحتلالها، فأرسل ملكها وفداً إليه يعرض عليه دفع جزية سنوية قدرها 12 ألف دوك ذهب. ثم بدأ الإمبراطور يستنجد الدول المسيحية، وتم حصار القسطنطينية والاستيلاء عليها بعد عامين فقط من توليه السلطة .
وصالح أمير الصرب مقابل جزية قدرها ثمانون ألف دوك عان 857، وفي السنة الثانية دخل السلطان إلى بلاد الصرب، وحاصر بلغراد ، ودافع عنها المجر ، ولم يتمكن العثمانيون من احتلالها، ثم صار الصدر الأعظم محمود باشا فاستولى عليها بين ( 861 – 863 ). وتمكن من احتلال بلاد المورة (عام 863/1453م)، وفر ملكها إلى إيطاليا ، كما استولى على الجزر التي فيبحر ايجه قرب مضيق الدردنيل . وعقد صلحاً مع اسكندر بك أمير البانيا .توجه سراً إلى الاناضولفاستولى على ميناء (اماستريس) الذي يتبع جنوه، وأكثر سكانه من التجار، كما دخل ميناء سينوب ، واحتل مملكة طرابزون دون مقاومة ، وكانت تتبع القسطنطينية .
سار إلى أوروبا لمحاربة أمير الأفلاق لظلمه وتعديه على العثمانيين ، فطلب الأمير صلحاً مقابل جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دوك ، فوافق السلطان غير أن هذا الأمير لم يطلب هذا الصلح إلا لتتاح له الفرصة ليتفق مع ملك المجر لمحاربة العثمانيين. فلما اتفقا، وعلم السلطان أرسل إليه رجلين يستوضح الخبر فقتلهما أمير الأفلاق، وسار مغيراً على أملاك الدولة العثمانية في بلغاريا، فأفسد فيها ، واستاق الأسرى. فأرسل إليه السلطان وفداً يطلب منه أن يعيد الأسرى، ويبقى على صلحه ، فمثل بهم، فسار إليه السلطان ففر أمير الأفلاق إلى ملك المجر ، فضم السلطان الأفلاق إلى العثمانيين ، وعين أخا أمير الأفلاق والياً عليها من قبله.
وامتنع أمير البوسنة عن دفع الخراج فسار إليه السلطان ، وانتصر عليه ، وضم البوسنة للدولة العثمانية ، وحاول ملك المجر مساعدة أهل البوسنة (البوشناق) لكنه هزم. وأسلم الكثير من البوشناق بعد ذلك. واصطدم السلطان مع البنادقة الذين يملكون بعض المواقع في بلاد المورة ، وجزراً كثيرة في بحر ايجه ، وقد هاجم البنادقة بعض المراكز العثمانية ودخلوها ، فسار إليهم السلطان ففروا من مواقعهم ، ودخلها العثمانيون . وبعد هدنة سنة عاد البنادقة لغيهم إذ أرادوا استعادة ما فقدوه ، وبدؤوا يغيرون على الدولة فكانت النتيجة أن فقدوا بعض مواقعهم المهمة.
بدأ البابا يدعو إلى حملة صليبية فشجع اسكندر بك أمير البانيا على نقض عهده مع السلطان، ودعا ملوك أوروبا وأمرائها لمساندته، غير أن البابا قد توفي ولم تقم الحملة الصليبية، لكن اسكندر بك نقض العهد، وحارب العثمانيين، وكانت الحرب سجالاً بين الطرفين. وتوفي اسكندر بك عام 870 .اتجه السلطان إلى الاناضول فضم إليه إمارة القرمان نهائياً إذ اختلف أبناء أميرهم إبراهيم الذي أوصى عند وفاته لابنه إسحاق فنازعه إخوته، فأيد السلطان إخوة إسحاق عليه وهزمه ، وعين مكانه أحد إخوته ، فلما رجع السلطان إلى أوروبا ، احتل إسحاق قونية وفرض نفسه ، فرجع إليه السلطان وهزمه ، وضم الإمارة إلى الدولة العثمانية. وهاجم اوزون حسن أحد خلفاء تيمورلنك شرقي الأناضول ، واحتل مدينة توقات ، فأرسل إليه السلطان جيشاً هزمه عام 1469 / 874 ، ثم سار إليه السلطان بنفسه على رأس جيش وأجهز على ما بقي معه من جنود.
عرض السلطان عام( 878 / 1473 ) على أمير البغدان اصطفان الرابع الجزية حتى لا يحاربه فلم يقبل الأمير، فأرسل إليه جيشاً وانتصر عليه بعد حروب عنيفة، ولكن لم يستطيع غزو هذا الإقليم ، فعزم السلطان على دخول القرم للإفادة من فرسانها في قتال البغدان ، وتمكن من احتلال أملاك الجنوبيين الممتدة على شواطئ شبه جزيرة القرم ، ولم يقاوم التتار سكان القرم العثمانيين بل دفعوا لهم مبلغاً من المال سنوياً . وأقلعت السفن الحربية العثمانية من القرم إلى مصب نهر الدانوب فدخلت ، وكان السلطان يدخل بلاد البغدان عن طريق البر ، فانهزم اصطفان الرابع ، فتبعه السلطان في طريق مجهولة ، فانقض عليه اصطفان الرابع وانهزم السلطان ، وارتفع اسم اصطفان الرابع وذلك عام 881 .
وصالح السلطان البنادقة ، وانهزم أمام المجر عندما سار لغزو ترانسلفانيا ، ولكنه في البحر استولى على الجزر التي بين اليونان و إيطاليا، كما احتل مدينة (اوترانت) في جنوبي شبه جزيرة إيطاليا عام 885 ، وحاصر في العام نفسه جزيرة رودوس ولم يتمكن من احتلالها. وفي أثناء حصار القسطنطينية عرف قبر ابي أيوب خالد بن زيد الانصاري ، فبنى بجواره مسجداً ، وأصبح تنصيب السلاطين يتم بهذا المسجد.

أهم أعماله

اهتمامه بالمدارس والمعاهد

فقد كان محباً للعلم والعلماء، لذلك اهتم ببناء المدارس والمعاهد في جميع أرجاء دولته، وفاق أجداده في هذا المضمار، وبذل جهوداً كبيرة في نشر العلم وإنشاء المدارس المعاهد، وأدخل بعض الإصلاحات في التعليم وأشرف على تهذيب المناهج وتطويرها، وحرص على نشر المدارس والمعاهد في كافة المدن والقرى وأوقف عليها الأوقاف العظيمة.
ونظم هذه المدارس ورتبها على درجات ومراحل، ووضع لها المناهج، وحدد العلوم والمواد التي تدرس في كل مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات الدقيقة للانتقال للمرحلة التي تليها، وكان ربما يحضر امتحانات الطلبة ويزور المدارس ولا يأنف من سماع الدروس التي يلقيها الأساتذة، ولا يبخل بالعطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة ، وجعل التعليم في كافة مدارس الدولة بالمجان ، وكانت المواد التي تدرس في تلك المدارس: التفسير والحديث والفقه والأدب والبلاغة وعلوم اللغة والهندسة، وأنشأ بجانب مسجده الذي بناه بإسطنبول ثمان مدارس على كل جانب من جوانب المسجد أربعة مساجد يتوسطها صحن فسيح، وفيها يقضي الطالب المرحلة الأخيرة من دراسته وألحقت بهذه المدارس مساكن الطلبة ينامون فيها ويأكلون طعامهم ووضعت لهم منحة مالية شهرية، وأنشأ بجانبها مكتبة خاصة وكان يشترط في الرجل الذي يتولى أمانة هذه المكتبة أن يكون من أهل العلم والتقوى متبحراً في أسماء الكتب والمؤلفين، وكانت مناهج المدارس يتضمن نظام التخصص، فكان للعلوم النقلية والنظرية قسم خاص وللعلوم التطبيقية قسم خاص أيضاً.

اهتمامه بالعلماء




فقد قرب العلماء ورفع قدرهم وشجعهم على العمل والإنتاج وبذل لهم الأموال ووسع لهم في العطايا والمنح والهدايا ويكرمهم غاية الإكرام، ولما هزم أوزون حسن أمر السلطان بقتل جميع الأسرى إلا من كان من العلماء وأصحاب المعارف ليستفاد منهم. وكان من مكانة الشيخ أحمد الكوراني أنه كان يخاطب السلطان باسمه ولا ينحني له، ولا يقبل يده بل يصافحه مصافحة، وأنه كان لا يأتي إلى السلطان إلا إذا أرسل إليه، وكان يقول له: مطعمك حرام وملبسك حرام فعليك بالاحتياط.

اهتمامه بالشعراء والأدباء

فكان شاعراً مجيداً مهتماً بالأدب عامة والشعر خاصة، وكان يصاحب الشعراء ويصطفيهم، واستوزر الكثير منهم، وكان في بلاطه ثلاثون شاعراً يتناول كل منهم راتباً شهرياً قدره ألف درهم، وكان مع هذا ينكر على الشعراء التبذل والمجون والدعارة ويعاقب من يخرج عن الآداب بالسجن أو يطرده من بلاده.

اهتمامه بالترجمة


فقد كان متقناً للغة الرومية، وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية والفارسية إلى اللغة التركية، ونقل إلى التركية كتاب التصريف في الطب للزهراوي، وعندما وجد كتاب بطليموس في الجغرافيا وخريطة له طلب من العالم الرومي جورج اميروتزوس وابنه أن يقوما بترجمته إلى العربية وإعادة رسم الخريطة بالغتين العربية والرومية و كافأهما على هذا العمل بعطايا واسعة، وقام العلامة القوشجي بتأليف كتاب بالفارسية ونقله للعربية وأهداه للفاتح.
كما كان مهتماً باللغة العربية فقد طلب من المدرسين بالمدارس الثماني أن يجمعوا بين الكتب الستة في تدريسهم وبين علم اللغة كالصحاح.. ودعم الفاتح حركة الترجمة والتأليف لنشر المعارف بين رعاياه بالإكثار من نشر المكاتب العامة وأنشأ له في قصره خزانة خاصة احتوت على غرائب الكتب والعلوم، وكان بها اثنا عشر ألف مجلد عندما احترقت.

اهتمامه بالعمران والبناء والمستشفيات

كان السلطان محمد الفاتح مغرماً ببناء المساجد والمعاهد والقصور والمستشفيات والخانات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة، وأدخل المياه إلى المدينة بواسطة قناطر خاصة . وشجع الوزراء وكبار رجال الدولة والأغنياء والأعيان على تشييد المباني وإنشاء الدكاكين والحمامات وغيرها من المباني التي تعطى المدن بهاء ورونقاً، واهتم بالعاصمة ("اسلامبول":اى مليئة بالإسلام و قد غير مصطفى كمال اتاتورك هذا الاسم إلى "استانبول" بعد عزل السلطان و انهاء الخلافة العثمانية في تركيا ) اهتماماً خاصاً، وكان حريصاً على أن يجعلها (أجمل عواصم العالم) وحاضرة العلوم والفنون. وكثر العمران في عهد الفاتح وانتشر ، واهتم بدور الشفاء ، ووضع لها نظاماً مثالياً في غاية الروعة والدقة والجمال، فقد كان يعهد بكل دار من هذه الدور إلى طبيب – ثم زيد إلى اثنين – من حذاق الأطباء من أي جنس كان، يعاونهما كحال وجراح وصيدلي وجماعة من الخدم والبوابين ، ويشترط في جميع المشتغلين بالمستشفي أن يكونوا من ذوي القناعة والشفقة والإنسانية، ويجب على الأطباء أن يعودوا المرضى مرتين في اليوم ، وأن لاتصرف الأدوية للمرضى إلا بعد التدقيق من إعدادها، وكان يشترط في طباخ المستشفي أن يكون عارفاً بطهي الأطعمة والأصناف التي توافق المرضى منها ، وكان العلاج والأدوية في هذه المستشفيات بالمجان ويغشاها جميع الناس بدون تمييز بين أجناسهم وأديانهم.

الاهتمام بالتجارة والصناعة

اهتم السلطان محمد الفاتح بالتجارة والصناعة وعمل على إنعاشهما بجميع الوسائل والعوامل والأسباب. وكان العثمانيون على دراية واسعة بالأسواق العالمية ، وبالطرق البحرية والبرية وطوروا الطرق القديمة ، وأنشأوا الكباري الجديدة مما سهل حركة التجارة في جميع أجزاء الدولة ، واضطرت الدول الأجنبية من الاستيلاء على موانيها لرعايا الدولة العثمانية ليمارسوا حرفة التجارة في ظل الراية العثمانية . وكان من أثر السياسة العامة للدولة في مجال التجارة والصناعة أن عم الرخاء وساد اليسر والرفاهية في جميع أرجاء الدولة، وأصبحت للدولة عملتها الذهبية المتميزة، ولم تهمل ا لدولة إنشاء دور الصناعة ومصانع الذخيرة والأسلحة ، وأقامت القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية في البلاد.

الاهتمام بالتنظيمات الإدارية

عمل السلطان محمد الفاتح على تطوير دولته ؛ ولذلك قنن قوانين حتى يستطيع أن ينظم شؤون الإدارة المحلية في دولته ، وكانت تلك القوانين مستمدة من الشرع الحكيم . وشكل السلطان محمد لجنة من خيار العلماء لتشرف على وضع (قانون نامه) المستمد من الشريعة الغراء وجعله أساساً لحكم دولته، وكان هذا القانون مكوناً من ثلاثة أبواب ، يتعلق بمناصب الموظفين وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ من التشريفات والاحتفالات السلطانية وهو يقرر كذلك العقوبات والغرامات ، ونص صراحة على جعل الدولة حكومة إسلامية قائمة على تفوق العنصر الإسلامي أياً كان أصله وجنسه. واهتم محمد الفاتح بوضع القوانين التي تنظم علاقة السكان من غير المسلمين بالدولة ومع جيرانهم من المسلمين ، ومع الدولة التي تحكمهم وترعاهم ، وأشاع العدل بين رعيته ، وجد في ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق ، وأجرى عليهم أحكام الإسلام ، فاستتب الأمن وسادت الطمأنينة في ربوع الدولة العثمانية. وعندما تعلن الدولة الجهاد وتدعوا أمراء الولايات وأمراء الألوية، كان عليهم أن يلبوا الدعوة ويشتركوا في الحرب بفرسان يجهزونهم تجهيزاً تاماً ، وذلك حسب نسب مبينة، فكانوا يجهزون فارساً كامل السلاح قادراً على القتال عن كل خمسة آلاف آقجه من إيراد اقطاعه ، فإذا كان إيراد إقطاعه خمسمائة ألف آقجة مثلاً كان عليه أن يشترك بمائة فارس ، وكان جنود الإيالات مؤلفة من مشاة وفرسان ، وكان المشاة تحت قيادة وإدارة باشوات الإيالات وبكوات الألوية. وقام محمد الفاتح بحركة تطهير واسعة لكل الموظفين القدماء غير الأكفاء وجعل مكانهم الأكفاء ، واتخذ الكفاية وحدها أساساً في اختيار رجاله ومعاونيه وولاته.

اهتمامه بالجيش والبحرية

وقد تميز عصر السلطان محمد الفاتح بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي ، بإنشاءات عسكرية عديدة متنوعة ، فأقام دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة ، وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية ، وكانت هناك تشكيلات متنوعة في تمام الدقة وحسن التنظيم من فرسان ومشاة ومدفعية وفرق مساعدة ، تمد القوات المحاربة بما تحتاجه من وقود وغذاء وعلف للحيوان وإعداد صناديق الذخيرة حتى ميدان القتال . وكان هناك صنف من الجنود يسمى ، " لغمجية" وظيفته الحفر للألغام وحفر الأنفاق تحت الأرض أثناء محاصرة القلعة المراد الاستيلاء عليها وكذلك السقاؤون كان عليهم تزويد الجنود بالماء. ولقد تطورت الجامعة العسكرية في زمن الفاتح وأصبحت تخرج الدفعات المتتالية من المهندسين والأطباء والبيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحات ، وكانت تمد الجيش بالفنيين المختصصين. استحق معه أن يعده المؤرخون مؤسس الأسطول البحري العثماني ، ولقد استفاد من الدول التي وصلت إلى مستوى رفيع في صناعة الأساطيل مثل الجمهوريات الإيطالية وبخاصة البندقية وجنوا أكبر الدول البحرية في ذلك الوقت.

اهتمامه بالعدل


إن إقامة العدل بين الناس كان من واجبات السلاطين العثمانيين ، وكان السلطان محمد شأنه في ذلك شأن من سلف من آبائه – شديد الحرص على إجراء العدالة في أجزاء دولته، ولكي يتأكد من هذا الأمر كان يرسل بين الحين والحين إلى بعض رجال الدين من النصارى بالتجوال والتطواف في أنحاء الدولة ، ويمنحهم مرسوماً مكتوباً يبين مهمتهم وسلطتهم المطلقة في التنقيب والتحري والاستقصاء لكي يطلعوا كيف تساس أمور الدولة وكيف يجري ميزان العدل بين الناس في المحاكم ، وقد أعطى هؤلاء المبعوثون الحرية الكاملة في النقد وتسجيل ما يرون ثم يرفعون ذلك كله إلى السلطان. وقد كانت تقرير هؤلاء المبعوثين النصارى تشيد دائماً بحسن سير المحاكم وإجراء العدل بالحق والدقة بين الناس بدون محاباة أو تمييز ، وكان السلطان الفاتح عند خروجه إلى الغزوات يتوقف في بعض الأقاليم وينصب خيامه ليجلس بنفسه للمظالم ويرفع إليه من شاء من الناس شكواه ومظلمته. وقد اعتنى الفاتح بوجه خاص برجال القضاء الذين يتولون الحكم والفصل في أمور الناس ، فلا يكفي في هؤلاء أن يكونوا من المتضلعين في الفقه والشريعة والاتصاف بالنزاهة والاستقامة وحسب بل لا بد إلى جانب ذلك أن يكونوا موضع محبة وتقدير بين الناس ، وأن تتكفل الدولة بحوائجهم المادية حتى تسد طرق الإغراء والرشوة ، فوسع لهم الفاتح في عيشهم كل التوسعة ، وأحاط منصبهم بحالة مهيبة من الحرمة والجلالة والقداسة والحماية. أما القاضي المرتشي فلم يكن له عند الفاتح من جزاء غير القتل. وكان السلطان الفاتح - برغم اشتغاله بالجهاد والغزوات - إلا أنه كان يتتبع كل ما يجري في أرجاء دولته بيقظة واهتمام ، وأعانه على ذلك ما حباه الله من ذكاء قوي وبصيرة نفاذة وذاكرة حافظة وجسم قوي ، وكان كثيراً ما ينزل بالليل إلى الطرقات والدروب ليتعرف على أحوال الناس بنفسه ويستمع إلى شكاواهم بنفسه، كما ساعده على معرفة أحوال الناس جهاز أمن الدولة الذي كان يجمع المعلومات والأخبار التي لها علاقة بالسلطنة وترفع إلى السلطان الذي كان يحرص على دوام المباشرة لأحوال الرعية ، وتفقد أمورها والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها.

قاد السلطان يقود حملة لم يحدد وجهتها، لكن المؤرخون يخمنون بأنها كانت إلى إيطاليا. عرض أهل البندقية على طبيبه الخاص يعقوب باشا أن يقوم هو باغتياله، يعقوب لم يكن مسلما عند الولادة فقد ولد بإيطاليا، وقد ادعى الهداية، وأسلم. بدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان، ولكن عندما علم بأمر الحملة زاد جرعة السم. وتوفى السلطان في العام 1481م، عن عمر 49 عاما، وبلغت مدة حكمه 31 عاما. انفضح أمر يعقوب، فأعدمه حرس السلطان. وصل خبر موت السلطان إلى البندقية بعد 16 يوما، جاء الخبر في رسالة البريد السياسي إلى سفارة البندقية في إسطنبول، احتوت الرسالة على هذه الجملة "لقد مات النسر الكبير". انتشر الخبر في البندقية ثم إلى باقي أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة ثلاثة أيام بأمر من البابا. 

اعتلاؤه العرش للمرة الأولى وتنازله عنه

وكان السلطان محمد الثاني قد كتب إلى والده يطلب منه العودة ليتربع على عرش السلطنة تحسبًا لوقوع معركة مع المجر، إلا أن مراد رفض هذا الطلب. فرد محمد الثاني الفاتح : «إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة دولتك وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش». وبناءً على هذه الرسالة، عاد السلطان مراد الثاني وقاد الجيش العثماني في معركة فارنا، التي كان فيها النصر الحاسم للمسلمين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1444 م، الموافق في 28 رجب سنة 848 هـ.[19]في 13 يوليو سنة 1444 م، الموافق 26 ربيع الأول سنة 848 هـ، أبرم السلطان مراد الثاني معاهدة سلام مع إمارة قرمان بالأناضول، وعقب ذلك توفي أكبر أولاد السلطان واسمه علاء الدين، فحزن عليه والده حزنًا شديدًا وسئم الحياة،[16][17] فتنازل عن الملك لابنه محمد البالغ من العمر أربع عشرة سنة، وسافر إلى ولاية أيدين للإقامة بعيدًا عن هموم الدنيا وغمومها.[18] لكنه لم يمكث في خلوته بضعة أشهر حتى أتاه خبر غدرالمجر وإغارتهم على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة اعتمادًا على تغريرالكاردينال "سيزاريني"، مندوب البابا، وإفهامه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تُعد حنثًا ولا نقضًا.[18]
يُقال بأن عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم كان سببها أيضًا الضغط الذي مارسه عليه الصدر الأعظم "خليل جندرلي باشا"، الذي لم يكن مولعًا بحكم محمد الثاني، بما أن الأخير كان متأثرًا بمعلمه المولى "الكوراني" ويتخذ منه قدوة، وكان الكوراني على خلاف مع الباشا.

[]الفترة في مانيسا (1446-1451)


قام محمد الفاتح خلال المدة التي قضاها في مانيسا، بضرب النقود السلجوقية باسمه،[24] وفي أغسطس أو سبتمبر من عام 1449، توفيت والدته،[25] وبعد هذا بسنة، أي في عام 1450، أبرم والده صلحًا مع "اسكندر بك"، أحد أولاد "جورج كستريو" أمير ألبانيا الشمالية الذين كان السلطان مراد الثاني قد أخذهم رهائن وضمّ بلاد أبيهم إليه بعد موته. وكان اسكندر المذكور قد أسلم، أو بالأحرى تظاهر بالإسلام لنوال ما يكنه صدره وأظهر الإخلاص للسلطان حتى قرّبه إليه، ثم انقلب عليه أثناء انشغاله بمحاربة الصرب والمجر، وبعد عدد من المعارك لم يستطع الجيش العثماني المنهك استرجاع أكثر من مدينتين ألبانيتين،[26] فرأى السلطان مصالحة البك ريثما يعود ليستجمع جيشه قوته ثم يعود لفتح مدينة "آق حصار".[27][28]
انتقل السلطان محمد الثاني إلى مانيسا الواقعة بغرب الأناضول بعد ثورة الإنكشارية عليه، وبعد أن جمعهم والده وانتقل لخوض حروبه في أوروبا. ليس هناك من معلومات كثيرة تفيد بالذي قام به السلطان محمد في الفترة التي قضاها في مدينةمانيسا، ولكن يُعرف أنه خلال هذه الفترة، تزوج السلطان بوالدة ولي العهد، كما كان يُطلق على زوجات السلاطين، "أمينة گلبهار" ذات الجذور اليونانية النبيلة،[20] من قرية "دفي شهر  وفيرا" في طرابزون،[20] والتي توفيت بعد ذلك عام 1492 بعد أن أنجبت السلطان بايزيد الثاني.[21] وكان السلطان مراد الثاني قد عاد إلى عزلته مرة أخرى بعد أن انتصر على المجر واستخلص مدينة فارنا منهم، لكنه لم يلبث فيها هذه المرة أيضا، لأن عساكر الإنكشارية ازدروا ملكهم الفتى محمد الثاني وعصوه ونهبوا مدينة أدرنة عاصمة الدولة، فرجع إليهم السلطان مراد الثاني في أوائل سنة 1445 وأخمد فتنتهم. وخوفًا من رجوعهم إلى إقلاق راحة الدولة، أراد أن يشغلهم بالحرب، فأغار على بلاد اليونان والصرب طيلة سنواته الباقية، وفتح عددًا من المدن والإمارات وضمها إلى الدولة العثمانية.[19] تزوج السلطان محمد في هذه الفترة أيضا بزوجته الثانية "ستّي مكرم خاتون" الأميرة من سلالة ذي القدر التركمانية.[22][23]

[]اعتلاؤه العرش للمرة الثانية وفتح القسطنطينية


عندما تولى محمد الثاني الملك بعد أبيه لم يكن بآسيا الصغرى خارجًا عن سلطانه إلا جزء من بلاد القرمان ومدينة "سينوب" ومملكة طرابزون الروميّة. وصارت مملكة الروم الشرقية قاصرة على مدينة القسطنطينية وضواحيها. وكان إقليم "موره" مجزءاً بين البنادقة وعدّة إمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الروم أو الإفرنج الذين تخلفوا عن إخوانهم بعد انتهاء الحروب الصليبية، وبلاد الأرنؤد وإيبيروس في حمى إسكندر بك سالف الذكر، وبلاد البشناق المستقلة، والصرب التابعة للدولة العثمانية تبعية سيادية، وما بقي من شبه جزيرة البلقان كان داخلاً تحت سلطة الدولة كذلك.[31]عاد السلطان مراد الثاني إلى أدرنة، عاصمة ممالكه ليُجهز جيوشًا جديدة كافية لقمع الثائر على الدولة، "اسكندر بك"، لكنه توفي في يوم 7 فبراير سنة 1451، الموافق في 5 محرم سنة 855هـ. وما أن وصلت أنباء وفاة السلطان إلى ابنه محمد الثاني، حتى ركب فوراً وعاد إلى أدرنة حيث توّج سلطانا للمرة الثانية في 19 فبراير من نفس العام،[29] وأقام جنازة لوالده الراحل وأمر بنقل الجثمان إلى مدينة بورصةلدفنه بها،[30] وأمر بإرجاع الأميرة "مارا" الصربية إلى والدها، أمير الصرب المدعو "جورج برنكوفيتش"، الذي زوّجها للسلطان مراد الثاني عندما أبرم معه معاهدة سلام قرابة عام 1428.[31][32]

[]الإعداد للفتح


أراد السلطان، قبل أن يتعرض لفتح القسطنطينية أن يُحصّن مضيق البوسفور حتى لا يأتي لها مدد من مملكة طرابزون، وذلك بأن يُقيم قلعة على شاطئ المضيق في أضيق نقطة من الجانب الأوروبي منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي.[33] ولمّا بلغ إمبراطور الروم هذا الخبر أرسل إلى السلطان سفيرًا يعرض عليه دفع الجزية التي يُقررها،[31] فرفض الفاتح طلبه وأصر على البناء لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع، حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى 82 مترًا، وأطلق عليها اسم "قلعة روملي حصار" (بالتركية: Rumeli Hisarı)، وأصبحت القلعتان متقابلتين، ولا يفصل بينهما سوى 660 مترًا، تتحكمان في عبور السفن من شرقي البوسفور إلى غربه وتستطيع نيران مدافعهما منع أية سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة.[33] كما فرض السلطان رسومًا على كل سفينة تمر في مجال المدافع العثمانية المنصوبة في القلعة، وكان أن رفضت إحدى سفنالبندقية أن تتوقف بعد أن أعطى العثمانيون لها عدداً من الإشارات، فتمّ إغراقها بطلقة مدفعية واحدة فقط.[34]أخذ السلطان محمد الثاني، بعد وفاة والده، يستعد لتتميم فتح ما بقي من بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية حتى تكون جميع أملاكه متصلة لا يتخللها عدو مهاجم أو صديق منافق، فبذل بداية الأمر جهودًا عظيمة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون جندي، وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للغزو الكبير المنتظر، كما أعتنى الفاتح بإعدادهم إعدادًا معنويًا قويًا وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء النبي محمد على الجيش الذي يفتح القسطنطينية وعسى أن يكونوا هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير، كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائمهم.[31]

ويُضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني؛ حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة وقد ذُكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من أربعمائة سفينة،[36] بينما قال آخرون أن هذا الرقم مبالغ فيه وأن عدد السفن كان أقل من ذلك، حيث بلغت مائة وثمانين سفينة في الواقع.[31]
اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع، التي أخذت اهتمامًا خاصًا منه حيث أحضر مهندسًا مجريًا يدعى "أوربان" كان بارعًا في صناعة المدافع، فأحسن استقباله ووفر له جميع الإمكانيات المالية والمادية والبشرية. تمكن هذا المهندس من تصميم وتصنيع العديد من المدافع الضخمة كان على رأسها "المدفع السلطاني" المشهور، والذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان وأنه يحتاج إلى مئاتالثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها.[35]

عقد معاهدات

عمل الفاتح قبل هجومه على القسطنطينية على عقد معاهدات مع أعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد، فعقد معاهدة مع إمارة غلطة المجاورة للقسطنطينية من الشرق ويفصل بينهما مضيق القرن الذهبي، كما عقد معاهدات مع جنوة والبندقية وهما من الإمارات الأوروبية المجاورة، ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية، حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن المدينة.[37]
في هذه الأثناء التي كان السلطان يعد العدة فيها للفتح، استمات الإمبراطور البيزنطي في محاولاته لثنيه عن هدفه، بتقديم الأموال والهدايا المختلفة إليه، وبمحاولة رشوة بعض مستشاريه ليؤثروا على قراره،[38] ولكن السلطان كان عازمًا على تنفيذ مخططه ولم تثنه هذه الأمور عن هدفه، ولما رأى الإمبراطور البيزنطي شدة عزيمة السلطان على تنفيذ هدفه عمد إلى طلب المساعدات من مختلف الدول والمدن الأوروبية وعلى رأسها البابا زعيم المذهب الكاثوليكي، في الوقت الذي كانت فيه كنائس الدولة البيزنطية وعلى رأسها القسطنطينية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وكان بينهما عداء شديد، وقد اضطر الإمبراطور لمجاملة البابا بأن يتقرب إليه ويظهر له استعداده للعمل على توحيد الكنيستين الشرقية والغربية،[39] في الوقت الذي لم يكن الأرثوذكس يرغبون في ذلك. قام البابا بناءً على ذلك بإرسال مندوب منه إلى القسطنطينية، خطب في كنيسة آيا صوفيا ودعا للبابا وأعلن توحيد الكنيستين، مما أغضب جمهور الأرثوذكس في المدينة، وجعلهم يقومون بحركة مضادة لهذا العمل الإمبراطوري الكاثوليكي المشترك، حتى قال بعض زعماء الأرثوذكس: "إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية".[40]

الهجوم والغزو

وبهذا ضرب السلطان الحصار على المدينة بجنوده من ناحية البر، وبأسطوله من ناحية البحر، وأقام حول المدينة أربع عشرة بطارية مدفعية وضع بها المدافع الجسيمة التي صنعها "أوربان" والتي قيل بأنها كانت تقذف كرات من الحجارة زنة كل واحدة منها اثنا عشر قنطارًا إلى مسافة ميل، إلا أن المؤرخين المعاصرين يقولون أن هذا الرقم مبالغ فيه بوضوح، فإنه ولو وُجد في ذلك الزمان آلة تستطيع أن تقذف هذا الوزن الكبير، فإنه لا يوجد أناس قادرين على رفع هذا الوزن ليضعوه في المدفع، فالقنطار يساوي 250 كيلوغراما، فوزن القذيفة على هذا الاعتبار يكون 3000 كيلوغراما، وبالتالي فلعلّ المقصود كان 12 رطلا وليس قنطارا.[31] وفي أثناء الحصار اكتُشف قبر "أبي أيوب الأنصاري" الذي استشهد حين حاصر القسطنطينية في سنة 52 هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان الأموي.[44]سعى السلطان، بعد كل هذه الاستعدادات، في إيجاد سبب لفتح باب الحرب، ولم يلبث أن وجد هذا السبب بتعدي الجنود العثمانيين على بعض قرى الروم ودفاع هؤلاء عن أنفسهم، حيث قُتل البعض من الفريقين.[31] عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لكي تكون صالحة لجر المدافع العملاقة خلالها إلى القسطنطينية، وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين حيث تمت حمايتها بقسم الجيش حتى وصلت الأجناد العثمانية يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 أبريل، 1453 م، الموافق 26 ربيع الأول، 857 هـ، فجمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألف جندي أي ربع مليون،[41] فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها على الجهاد وطلب النصر أو الشهادة، وذكّرهم فيها بالتضحية وصدق القتال عند اللقاء، وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث على ذلك، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشر بفتح القسطنطينية وفضل الجيش الفاتح لها وأميره، وما في فتحها من عز للإسلام والمسلمين، وقد بادر الجيش بالتهليل والتكبير والدعاء.[42][43]

ما بعد الفتح
]عند الساعة الواحدة صباحاً من يوم الثلاثاء 29 مايو، 1453م، الموافق 20 جمادى الأولى سنة 857 هـ بدأ الهجوم العام على المدينة، فهجم مائة وخمسون ألف جندي وتسلقوا الأسوار حتى دخلوا المدينة من كل فج وأعملوا السيف فيمن عارضهم واحتلوا المدينة شيءًا فشيئًا إلى أن سقطت بأيديهم، بعد 53 يومًا من الحصار.[34] أما الإمبراطور قسطنطينفقاتل حتى مات في الدفاع عن وطنه كما وعد، ولم يهرب أو يتخاذل.[54][55] ثم دخل السلطان المدينة عند الظهر فوجد الجنود مشتغلة بالسلب والنهب، فأصدر أمره بمنع كل اعتداء، فساد الأمن حالاً. ثم توجه إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اجتمع فيها خلق كبير من الناس ومعهم القسس والرهبان الذين كانوا يتلون عليهم صلواتهم وأدعيتهم، وعندما اقترب من أبوابها خاف المسيحيون داخلها خوفاً عظيماً، وقام أحد الرهبان بفتح الأبواب له فطلب من الراهب تهدئة الناس وطمأنتهم والعودة إلى بيوتهم بأمان، فأطمأن الناس وكان بعض الرهبان مختبئين في سراديب الكنيسة فلما رأوا تسامح الفاتح وعفوه خرجوا وأعلنوا إسلامهم، وقد أمر الفاتح بعد ذلك بأن يؤذن في الكنيسة بالصلاة إعلانًا بجعلها مسجدًا.[54][55] وقد أعطى السلطان للنصارى حرية إقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم الدينين الذين لهم حق الحكم في النظر بالقضايا المدنية، كما أعطى هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخرى ولكنه في الوقت نفسه فرض الجزية على الجميع.[56] ثم قام بجمع رجال الدين المسيحيين لينتخبوا بطريركًا لهم، فاختاروا "جورجيوس كورتيسيوس سكولاريوس" (باليونانية:Γεώργιος Κουρτέσιος Σχολάριος)، وأعطاهم نصف الكنائس الموجودة في المدينة، أما النصف الأخر فجعله جوامع للمسلمين.[54] وبتمام فتح المدينة، نقل السلطان محمد مركز العاصمة إليها، وسُميت "إسلامبول"، أي "تخت الإسلام" أو "مدينة الإسلام".[55]استيقظ أهل المدينة صباح يوم 22 أبريل وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين،[13][49] ولقد عبّر أحد المؤرخين البيزنطيين عن عجبهم من هذا العمل فقال: «ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبالبدلاً من الأمواج، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الأسكندر الأكبر».[50] أيقن المحاصرون عند هذا أن لا مناص من نصر العثمانيين عليهم، لكن لم تخمد عزائمهم بل ازدادوا إقداماً وصمموا على الدفاع عن مدينتهم حتى الممات. وفي يوم 24 مايو سنة 1453م، الموافق 15 جمادى الأولى سنة 857هـ، أرسل السلطان محمد إلى الإمبراطور قسطنطين رسالة دعاه فيها إلى تسليم المدينة دون إراقة دماء، وعرض عليه تأمين خروجه وعائلته وأعوانه وكل من يرغب من سكان المدينة إلى حيث يشاؤون بأمان،[51] وأن تحقن دماء الناس في المدينة ولا يتعرضوا لأي أذى وأعطاهم الخيار بالبقاء في المدينة أو الرحيل عنها، ولما وصلت الرسالة إلى الإمبراطور جمع المستشارين وعرض عليهم الأمر، فمال بعضهم إلى التسليم وأصر آخرون على استمرار الدفاع عن المدينة حتى الموت، فمال الامبراطور إلى رأي القائلين بالقتال حتى آخر لحظة، فرد الامبراطور رسول الفاتح برسالة قال فيها إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم وأنه يرضى أن يدفع له الجزية أما القسطنطينية فإنه أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته فإما أن يحفظ عرشه أو يُدفن تحت أسوارها،[52] فلما وصلت الرسالة إلى الفاتح قال: «حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر».[53]وفي هذا الوقت كان البيزنطيين قد قاموا بسد مداخل ميناء القسطنطينية بسلاسل حديدية غليظة حالت بين السفن العثمانية والوصول إلى القرن الذهبي، بل دمرت كل سفينة حاولت الدنو والاقتراب.[39] إلا أن الأسطول العثماني نجح على الرغم من ذلك في الاستيلاء على جزر الأمراء في بحر مرمرة.[45] استنجد الإمبراطور قسطنطين، آخر ملوك الروم، بأوروبا، فلبّى طلبه أهالي جنوة وأرسلوا له إمدادات مكونة من خمس سفن وكان يقودها القائد الجنوي "جوستنياني" يُرافقه سبعمائة مقاتل متطوع من دول أوروبية متعددة، فأتى هذا القائد بمراكبه وأراد الدخول إلى ميناء القسطنطينية، فاعترضته السفن العثمانية ونشبت بينهما معركة هائلة في يوم 21 أبريل، 1453 م، الموافق يوم 11 ربيع الثاني، 857 هـ، انتهت بفوز جوستنياني ودخوله الميناء بعد أن رفع المحاصرون السلاسل الحديدية ثم أعادوها بعد مرور السفن الأوروبية كما كانت.[46] حاولت القوات البحرية العثمانية تخطي السلاسل الضخمة التي تتحكم في مدخل القرن الذهبي والوصول بالسفن الإسلامية إليه، وأطلقوا سهامهم على السفن الأوروبية والبيزنطية ولكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم في البداية، فارتفعت بهذا الروح المعنوية للمدافعين عن المدينة.[47] بعد هذا الأمر، أخذ السلطان يُفكر في طريقة لدخول مراكبه إلى الميناء لإتمام الحصار برّاً وبحراً، فخطر بباله فكر غريب، وهو أن ينقل المراكب على البر ليجتازوا السلاسل الموضوعة لمنعها، وتمّ هذا الأمر المستغرب بأن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتي بألواح من الخشب دهنتبالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها،[48] وبهذه الكيفية أمكن نقل نحو سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من البيزنطيين.[13]

وكان السلطان قد أمر بحبس الصدر الأعظم "خليل جندرلي باشا"، الذي اتهم أثناء حصار القسطنطينية بالتعامل مع العدو أو تلقيه رشوة منهم لفضح تحركات الجيش العثماني، فحُبس لمدة أربعين يومًا وسُملت عيناه، ثم حُكم عليه بالإعدامفأعدم.[57] تُفيد بعض المصادر أن السلطان محمد الفاتح قصد الموقع الذي بُنيت فيه مدينة طروادة في قديم الزمان، بعد 10 سنوات من فتح القسطنطينية، حيث قال أنه انتقم للطرواديين أخيراً، بعد أن قضى على الإغريق، أي البيزنطينين، وغزاهم كما غزوا طروادة.[58] يروي المؤرخ البريطاني "ستيفن رونسيمان" قصة منقولة عن المؤرخ البيزنطي "دوكاس"، المعروف بإضفائه النكهة الدرامية والمواصفات المؤثرة على كتاباته،[59] أنه عندما دخل محمد الثاني القسطنطينية، أمر بإحضار الابن الوسيم للدوق الأكبر "لوكاس نوتاراس" البالغ من العمر 14 ربيعًا، ليُشبع معه شهوته، وعندما رفض الأب تسليم ولده إلى السلطان، أمر الأخير بقطع رأس كليهما حيث وقفا.[60] يروي عالم اللاهوت ورئيس أساقفة ميتيليني "ليونارد الصاقيزي" نفس القصة في رسالة أرسلها إلى البابا نيقولا الخامس.[61] يرى المؤرخون المعتدلون والمؤرخون المسلمون، أن هذه الرواية عارية عن الصحة، وأن سببها كان الصدمة العنيفة التي تعرض لها العالم الأوروبي المسيحي عند سقوط المدينة المقدسة بيد المسلمين، حيث بذل الشعراء والأدباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد وبراكين الغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين، وعقد الأمراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادوا إلى نبذ الخلافات والحزازات والتوحد ضد العثمانيين. وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية، وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الإيطالية وتشجيعها على قتال المسلمين، وترأس مؤتمرًا عُقد في روما، أعلنت فيه الدول المشاركة عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك. وأوشك هذا الحلف أن يتحقق إلا أن الموت عاجل البابا في 25 مارس سنة 1455، فلم تتم أي من هذه الخطط.[62]
بعد تمام النصر والفتح، اتخذ السلطان لقب "الفاتح" و"قيصر الروم" (بالتركية: Kayser-i Rûm)، على الرغم من أن هذا اللقب الأخير لم تعترف به بطركيّة القسطنطينية ولا أوروبا المسيحية. وكان السبب الذي جعل السلطان يتخذ هذا اللقب هو أن القسطنطينية كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية، بعد أن نُقل مركز الحكم إليها عام 330 بعد سقوطالإمبراطورية الرومانية الغربية، وكونه هو سلطان المدينة فكان من حقه أن يحمل هذا اللقب. وكان للسلطان رابطة دم بالأسرة الملكية البيزنطية، بما أن كثيرا من أسلافه، كالسلطان أورخان الأول، تزوجوا بأميرات بيزنطيات. ولم يكن السلطان هو الوحيد الذي حمل لقب القيصر في أيامه، إذ أن إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة في أوروبا الغربية، "فريدريش الثالث"، قال آنذاك بأنه يتحدر مباشرة من شارلمان، الذي حصل على لقب "قيصر" عندما توّجه البابا"ليو الثالث" عام 800، على الرغم من عدم اعتراف الإمبراطورية البيزنطية بهذا الأمر عندئذ.

[]الفتوحات التالية

[]فتح بلاد موره ومحاربة المجر

وفي هذه الأثناء تمّ فتح بلاد موره. ففي سنة 1458 فتح السلطان مدينة "كورنته" وما جاورها من بلاد اليونان حتى جرّد "طوماس باليولوج" أخا قسطنطين من جميع بلاده ولم يترك إقليم موره لأخيه دمتريوس إلا بشرط دفع الجزية. وبمجرّد ما رجع السلطان بجيوشه ثار طوماس وحارب الأتراك وأخاه معاً، فاستنجد دمتريوس بالسلطان فرجع بجيش عرمرم ولم يعد حتى تمّ فتح إقليم موره سنة 1460 فهرب طوماس إلى إيطاليا، ونُفي دمتريوس في إحدى جزر الأرخبيل. وفي ذلك الوقت فُتحت جزر تاسوس والبروس وغيرها من جزر بحر الروم.[64][66]
وفي السنة التالية أعاد السلطان الكرّة على الصرب من جديد، بجيش مؤلف من خمسين ألف مقاتل وثلاثمائة مدفع، ومر بجيوشه من جنوب تلك البلاد إلى شمالها بدون أن يلقى أقل معارضة حتى وصل مدينة بلغراد الواقعة على نهر الدانوب وحاصرها من جهة البر والنهر. وكان هونياد المجري دخل المدينة قبل إتمام الحصار عليها ودافع عنها دفاع الأبطال حتى يئس السلطان من فتحها ورفع عنها الحصار سنة 1455. لكن وإن لم يتمكن العثمانيون من فتح عاصمة الصرب إلا أنهم أصابوا هونياد بجراح بليغة توفي بسببها بعد رفع الحصار عن المدينة بنحو عشرين يومًا. ولما علم السلطان بموته أرسل الصدر الأعظم "محمود باشا" لإتمام فتح بلاد الصرب فأتمّ فتحها من سنة 1458 إلى سنة 1460.[64]بعد إتمامه لترتيباته وبناء ما هُدم من أسوار القسطنطينية وتحصينها، أمر السلطان ببناء مسجد بالقرب من قبر أبي أيوب الأنصاري، جرت العادة فيما بعد أن يتقلد كل سلطان جديد سيفعثمان الغازي الأول في هذا المسجد،[64] ثم سافر بجنوده لفتح بلاد جديدة، فقصد بلاد موره، لكن لم ينتظر أميراها "دمتريوس" و"توماس"، أخوا قسطنطين، قدومه، بل أرسلا إليه يُخبرانه بقبولهما دفع جزية سنوية قدرها إثنا عشر ألف دوكا. فقبل السلطان ذلك، وغيّر وجهته قاصدًا بلاد الصرب، فأتى "هونياد" الشجاع المجري، الملقب "بالفارس الأبيض"،[65] وردّ عن الصرب مقدمة الجيوش العثمانية،[63] إلا أن الصرب لم يرغبوا في مساعدة المجر لهم لاختلاف مذهبهم، حيث كان المجر كاثوليكيين تابعين لبابا روما، والصرب أرثوذكسيين لا يذعنون لسلطة البابا بل كانوا يفضلون تسلط المسلمين عليهم لما رأوه من عدم تعرضهم للدين مطلقًا. ولذلك أبرم أمير الصرب الصلح مع السلطان محمد الثاني على أن يدفع له سنويًا ثمانين ألف دوكا، وذلك في سنة 1454.[64]

[]توحيد الأناضول

وبعد عودة السلطان من بلاد اليونان أبرم صلحًا مع إسكندر بك وترك له إقليما ألبانيا وإيبيروس، ثم حوّل أنظاره إلى آسيا الصغرى ليفتح ما بقي منها، فسار بجيشه دون أن يُعلم أحدًا بوجهته في أوائل سنة 1461، فهاجم أولاً ميناء بلدة أماستريس، وكانت مركز تجارة أهالي جنوة النازلين بهذه الأصقاع.[64] ولكون سكانها تجّارًا يُحافظون على أموالهم ولا يهمهم دين أو جنسية متبوعهم ما دام غير متعرّض لأموالهم ولا أرواحهم، فتحوا أبواب المدينة ودخلها العثمانيون بغير حرب. ثم أرسل إلى "اسفنديار" أمير مدينة سينوبيطلب منه تسليم بلده والخضوع له. ولأجل تعزيز هذا الطلب أرسل أحد قوّاده ومعه عدد عظيم من المراكب لحصار الميناء، فسلمها إليه الأمير وأقطعه السلطان أراض واسعة بأقليم "بيثينيا" مكافأة له على خضوعه. ثم قصد بنفسه مدينة طرابزون ودخلها دون مقاومة شديدة وقبض على الملك وأولاده وزوجته وأرسلهم إلى القسطنطينية.[64]

محاربة أمير الفلاخ

[]فلمّا وصلت هذه الأخبار إلى السلطان محمد استشاط غضباً وسار على الفور بحوالي 60,000 جندي نظامي و 30,000 غير نظامي،[72] فوصل بسرعة إلى مدينة "بوخارست"، عاصمة الأمير، بعد أن هزمه وفرّق جيوشه، لكنه لم يتمكن من القبض عليه لمجازاته على ما اقترفه بحق العثمانيين والبلغار، لهروبه والتجائه إلى ملك المجر، فنادى السلطان بعزله ونصب مكانه أخاه "راؤول" لثقته به بما أنه تربّى في حضانة السلطان منذ نعومة أظفاره، وبذا ضُمّت بلاد الفلاخ إلى الدولة العثمانية. ويُقال أنه عند وصول السلطان محمد إلى ضواحي بوخارست، وجد حول المدينة غابة من الخوازيق التي عُلّقت عليها جثث الأسرى الذين أتى بهم أمير الفلاخ من بلاد بلغاريا، وقتلهم عن آخرهم بما فيهم الأطفال والنساء، وكذلك الجنود العثمانيين الذين كان قد قبض عليهم إثر مناوشة ليلية، وكان عددهم جميعا عشرين ألفاً.[71][73]ما أن عاد السلطان إلى القسطنطينية حتى جهز جيشًا لمحاربة أمير الفلاخ المدعو "فلاد دراكول الثالث المخوزق"، لمعاقبته على ما ارتكبه من الفظائع مع أهالي بلاده والتعدّي على التجار العثمانيين النازلين بها. فلمّا قرب منها، أرسل إليه هذا الأمير وفدا يعرض على السلطان دفع جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دوكا بشرط أن يُصادق على جميع الشروط الواردة بالمعاهدة التي أبرمت في سنة 1393 بين أمير الفلاخ آنذاك والسلطان بايزيد الأول، فقبل السلطان محمد الثاني هذا الاقتراح وعاد بجيوشه. ولم يقصد أمير الفلاخ بهذه المعاهدة إلا التمكن من الاتحاد مع ملك المجر "متياس كورفينوس" ومحاربة العثمانيين.[69] فلمّا علم السلطان باتحادهما أرسل إليه مندوبين يسألانه عن الحقيقة، فقبض عليهما وقتلهما بوضعهما على عمود محدد من الخشب، الذي يُعرف بالخازوق.[70] وأغار بعدها على بلاد بلغاريا التابعة للدولة العثمانيةوعاث فيها فسادًا، ورجع بخمسة وعشرين ألف أسير، فأرسل إليه السلطان رسلاً يدعونه إلى الطاعة وإخلاء سبيل الأسرى، فلمّا مثل الرسل أمامه أمرهم برفع عمائمهم لتعظيمه، وعند إبائهم طلبه لمخالفته لعوائدهم، أمر بأن تُسمّر عمائمهم على رؤسهم بمسامير من حديد.[71]

فتح البوسنة والعداء مع البندقية

"بسم الله الرحمن الرحيمفي سنة 1462، حارب السلطان بلاد البوسنة لامتناع أميرها "استيفان توماسفيتش" عن دفع الخراج،[74] وأسره بعد معركة هو وولده وأمر بقتلهما، فدانت له جميع بلاد البشناق. وأرسل فرمانا إلى الفرنسيسكان من سكان تلك البلاد يُطمئنهم بعدم تعرّض أي منهم للاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية، فقال:[75][76]
أنا السلطان محمد خان الفاتح،
أعلن للعالم أجمع أن،
أهل البوسنة الفرنسيسكان قد مُنحوا بموجب هذا الفرمان السلطاني حماية جلالتي. ونحن نأمر بأن:
لا يتعرض أحد لهؤلاء الناس ولا لكنائسهم وصلبهم ! وبأنهم سيعيشون بسلام في دولتي. وبأن أولئك الذين هجروا ديارهم منهم، سيحظون بالأمان والحرية. وسيُسمح لهم بالعودة إلى أديرتهم الواقعة ضمن حدود دولتنا العليّة.
لا أحد من دولتنا سواء كان نبيلاً، وزيرا، رجل دين، أو من خدمنا سيتعرض لهم في شرفهم وفي أنفسهم !
لا أحد سوف يهدد، أو يتعرض لهؤلاء الناس في أنفسهم، ممتلكاتهم، وكنائسهم !
وسيحظى كل ما أحضروه معهم من متاع من بلادهم بنفس الحماية...
وبإعلان هذا الفرمان، أقسم بالله العظيم الذي خلق الأرض في ستة أيام ورفع السماء بلا عمد، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وجميع الأنبياء والصالحين رضي الله عنهم أجمعين، بأنه؛ لن نسمح بأن يُخالف أي من أفراد رعيتنا أمر هذا الفرمان !"
وفي سنة 1464، أراد "متياس كورفينوس" ملك المجر استخلاص البوسنة من العثمانيين، فهُزم بعد أن قُتل معظم جيشه، وكانت عاقبة تدخله أن جُعلت البوسنة ولاية كباقي ولايات الدولة، وسُلبت ما كان مُنح لها من الامتيازات،[71] ودخل فيجيش الإنكشارية ثلاثون ألفاً من شبانها وأسلم أغلب أشراف أهاليها.[77]
هذا وكانت قد ابتدأت حركات العدوان في سنة 1463 بين العثمانيين والبنادقة بسبب هروب أحد الرقيق إلى "كورون" التابعة للبندقية، وامتناعهم عن تسليمه بحجة أنه اعتنق المسيحية دينًا. فاتخذ العثمانيون ذلك سببًا للاستيلاء على مدينةآرغوس وغيرها.[78] فاستنجد البنادقة بحكومتهم، فأرسلت إليهم عدداً من السفن محملة بالجنود، وأنزلتهم إلى بلاد موره، فثار سكانها وقاتلوا الجنود العثمانيين المحافظين على بلادهم وأقاموا ما كان قد تهدم من سور برزخ كورون لمنع وصول المدد من الدولة العثمانية، وحاصروا المدينة نفسها واستخلصوا مدينة آرغوس من الأتراك. لكن لما علموا بقدوم السلطان مع جيش يبلغ عدده ثمانين ألف مقاتل، تركوا البرزخ راجعين على أعقابهم، فدخل العثمانيون بلاد موره بدون معارضة كبيرة واسترجعوا كل ما أخذوه وأرجعوا السكينة إلى البلاد. وفي السنة التالية أعاد البنادقة الكرّة على بلاد موره دون فائدة.[78]
ثمّ بعد هدنة استمرت سنة واحدة، عادت الحروب بين العثمانيين والبنادقة وكانت نتيجتها أن فتح العثمانيون جزيرة "نجر بونت"، وتُسمى في كتب الترك "أغريبوس"، وتُعرف حاليًا باسم "إيبويا"، وهي مركز مستعمرات البنادقة في جزر الروم، وتمّ فتحها في سنة 1470.[78]وبعد ذلك حاول البابا "بيوس الثاني" بكل ما أوتي من مهارة وقدرة سياسية تركيز جهوده في ناحيتين اثنتين: حاول أولاً أن يقنع الأتراك باعتناق الدين المسيحي، ولم يقم بإرسال بعثات تبشيرية لذلك الغرض وانما اقتصر على إرسال خطاب إلى السلطان محمد الفاتح يطلب منه أن يعتنق المسيحية، كما اعتنقها قبله قسطنطين الأول وكلوفيس ووعده بأنه سيكفر عنه خطاياه إن هو اعتنق المسيحية مخلصًا، ووعده بمنحه بركته واحتضانه ومنحه صكًا بدخول الجنة. ولما فشل البابا في خطته هذه لجأ إلى الخطة الثانية، خطة التهديد والوعيد واستعمال القوة، فحاول تأجيج الحقد الصليبي في نفوس النصارى شعوبًا وملوكًا، قادة وجنودًا، واستعدت بعض الدول لتحقيق فكرة البابا الهادفة للقضاء على العثمانيين، ولكن لما حان وقت النفير اعتذرت دول أوروبا بسبب متاعبها الداخلية المختلفة.[79] وعالج المنون البابا بعد هذا بفترة قصيرة، إلا أن تحريضاته كانت قد أثرت في إسكندر بك الألباني، فحارب الجنود العثمانيين وحصل بينهما عدّة وقائع أريقت فيها كثير من الدماء، وكانت الحرب فيها سجالاً. وفي سنة 1467 توفي إسكندر بك بعد أن حارب الدولة العثمانية 25 سنة دون أن تتمكن من قمعه.[78]

[]فتح إمارة قرمان ومحاربة المغول

بعد أن ساد الأمن في أنحاء أوروبا، حوّل السلطان أنظاره إلى بلاد القرمان بآسيا الصغرى ووجد سبيلا سهلا للتدخل، وهو أن أميرها المدعو "إبراهيم" أوصى بعد موته بالحكم إلى أحد أولاده واسمه الأمير إسحق، ولكونه كان لديه إخوة لأب أكبر منه سنا، يرغب كل منهم بالحكم بطبيعة الأمر، تدخل السلطان محمد الثاني وحارب إسحق وهزمه وولى محله أكبر إخوته، وعاد إلى أوروبا لمحاربة اسكندر بك، الذي كان ما زال على قيد الحياة آنذاك، فانتهز الأمير إسحق غياب السلطان وعاود الكرّة على قونية، عاصمة القرمان، لاسترداد ما أوصى به إليه أبوه من البلاد، فرجع إليه السلطان وقهره. وليستريح باله من هذه الجهة أيضا، ضمّ إمارة قرمان إلى بلاده وغضب على وزيره "محمود باشا" الذي عارضه في هذا الأمر.[78]
وبعد ذلك بقليل زحف "أوزون حسن"، سلطان دولة الخروف الأبيض (بالتركية العثمانية: آق قوینلو؛ بالتركية: Akkoyunlu)، وهو أحد خلفاء تيمورلنك، الذي كان سلطانه ممتدا على كافة البلاد والأقاليم الواقعة بين نهري جيحون والفرات، وفتح مدينة "توقات" عنوة ونهب أهلها.[80] فأخذ السلطان في تجهيز جيش جرّار وأرسل لأولاده "داوود باشا" بكلر بك الأناضول، و"مصطفى باشا" حاكم القرمان، يأمرهما بالمسير لمحاربة العدوّ، فسارا بجيوشهما إليه وقابلا جيش "أوزون حسن" على حدود إقليم الحميد، وهزماه شر هزيمة في معركة بالقرب من مدينة "إرزينجان" سنة 1471. وبعدها، في أواخر صيف عام 1473، سار إليه السلطان نفسه ومعه مائة ألف جندي وأجهز على ما بقي معه من الجنود بالقرب من مدينة "گنجه"،[81] ولم يعد "أوزون حسن" لمحاربة الدولة العثمانية بعد ذلك، إذ أن هذه المعركة كانت قد قضت على سلطة دولته، ولم يعد للعثمانيين من عدو لجهة الشرق، حتى بروز الشاه "إسماعيل الصفوي" والدولة الصفوية في وقت لاحق.[82] وفي هذه الأثناء كانت الحرب متقطعة بين العثمانيين والبنادقة الذين استعانوا بباباروما وأمير نابولي، وكان النصر فيها دائماً للعثمانيين، ولم يتمكن البنادقة من استرجاع شيء مما أخذ منهم.

[]محاربة البغدان وإنهاء الصراع مع البنادقة


ولما بلغ خبر هذه الهزيمة آذان السلطان عزم على فتح بلاد القرم حتى يستعين بفرسانها المشهورين في القتال على محاربة البغدان.[87] وكان لجمهورية جنوة مستعمرة في شبه جزيرة القرم، هي مدينة "كافا"، فأرسل السلطان إليها أسطولا بحريّا، ففتحها بعد حصار ستة أيام، وبعدها سقطت جميع الأماكن التابعة لجمهورية جنوة. وبذلك صارت جميع شواطئ القرم تابعة للدولة العثمانية ولم يُقاومها التتار النازلون بها، ولذلك اكتفى السلطان بفرض الجزية عليها.وبعد ذلك فتح الأسطول العثماني ميناء آق كرمان ‏(en) ومنها أقلعت السفن الحربية إلى مصاب نهر الدانوب لإعادة الكرّة على بلاد البغدان، بينما كان السلطان يجتاز نهر الدانوب من جهة البر بجيش عظيم، فتقهقر أمامه جيش البغدان، على الرغم من صدّه لعدّة هجمات عثمانية بنيرانه،[88] لعدم إمكانية المحاربة في السهول، وتبعه الجيش العثماني حتى إذا أوغل خلفه فيغابة كثيفة يجهل مفاوزها، انقض عليه الجيش البغداني، فاشتبك مع قوات الإنكشارية التي هزمته شر هزيمة، في معركة أطلق عليها اسم معركة الوادي الأبيض ‏(en) فانسحب "أسطفان الرابع" إلى أقصى شمال غربي بلاده، والبعض يقول أنه لجأ إلى المملكة البولندية، حيث أخذ يجمع جيشا جديدا.[89] ولم يستطع السلطان محمد فتح الحصون الرئيسية البغدانية بسبب المناوشات الصغيرة المستمرة التي تعرض لها الجيش العثماني من قبل الجنود البغدان، ولانتشار المجاعة ثمالطاعون بين أفراد الجيش، مما اضطر السلطان لأن يسحب قواته ويعود إلى القسطنطينية دون فتح البلاد.[90]في سنة 1475 أراد السلطان فتح بلاد البغدان، وهي المنطقة الشرقية من رومانيا المتاخمة لحدود روسيا والمعروفة أيضاً باسم "مولدوفا"، فأرسل إليها جيشاً بعد أن عرض الجزية على أميرها المسمى "أسطفان الرابع" ولم يقبل. وقعت معركة عنيفة بين الطرفين بتاريخ 10 يناير من نفس العام عُرفت بمعركة "فاسلوي"، كنية بالمدينة القريبة من الموقع. وصل عدد الجنود العثمانيين إلى 120,000 جندي، بينما بلغ عدد الجنود البغدان 40,000 جندي، بالإضافة إلى بعض القوات المتحالفة الأصغر حجما وبعض المرتزقة.[83] وبعد قتال عنيف قُتل فيه جنود كثر من الجيشين المتحاربين، انهزم الجيش العثماني وعاد دون فتح شيء من هذا الإقليم. ويذكر المؤرخون أن "أسطفان الرابع" قال أن هذه الهزيمة التي لحقت بالعثمانيين "هي أعظم هزيمة حققها الصليب على الإسلام".[84] وقالت الأميرة "مارا" التي كانت زوجةً للسلطان مراد الثاني، والد الفاتح، سابقاً، لمبعوث بندقي أن هذه الهزيمة هي أفظع الهزائم التي تعرّض لها العثمانيون في التاريخ.[85]وبذلك اشتهر "أسطفان الرابع" أمير البغدان بمقاومة العثمانيين، فخلع عليه البابا "سيكستوس الرابع" لقب "بطل المسيح" (باللاتينيةAthleta Christi) و"الحامي الحقيقي للديانة المسيحية" (باللاتينيةVerus christiane fidei aletha).[86]
وفي سنة 1477 أغار السلطان على بلاد البنادقة ووصل إلى إقليم "فريولي" بعد أن مرّ بإقليميّ "كرواتيا" و"دالماسيا"، فخاف البنادقة على مدينتهم الأصلية وأبرموا الصلح معه تاركين له مدينة "كرويا"، التي كانت عاصمة "اسكندر بك" الشهير، فاحتلها السلطان ثم طلب منهم مدينة "إشقودره"، ولمّا رفضوا التنازل عنها إليه حاصرها وأطلق عليها مدافعه ستة أسابيع متوالية بدون أن يُضعف قوّة سكانها وشجاعتهم،[91] فتركها لفرصة أخرى وفتح ما كان حولها للبنادقة من البلاد والقلاع حتى صارت مدينة "إشقودره" منفصلة كليّا عن باقي بلاد البنادقة، وكان لا بد من فتحها بعد قليل لعدم إمكان وصول المدد إليها، ولذا فضّل البنادقة أن يبرموا صلحاً جديداً مع السلطان ويتنازلوا عن "إشقودره" مقابل بعض الامتيازات التجارية.[91] وتمّ الصلح بين الفريقين على ذلك وأمضيت به بينهما معاهدة في يوم 28 يناير سنة 1479م، الموافق 5 ذو القعدة سنة 883هـ، وكانت هذه أول خطوة خطتها الدولة العثمانية للتدخل في شؤون أوروبا، إذ كانتجمهورية البندقية حينذاك أهم دول أوروبا لا سيما في التجارة البحرية، وما كان يُعادلها في ذلك إلا جمهورية جنوة.

فتح جزر اليونان ومدينة أوترانت وحصار رودوس


وفي هذا الحين كان قد أرسل أسطولاً بحرياً آخر لفتح جزيرة رودوس، التي كانت مركز رهبنة القديس "يوحنا الأورشليمي"، وكان رئيسها آنذاك "بيير دو بوسون" الفرنسي الأصل، وكانت الحرب قائمة بينه وبين سلطان مصر وباي تونس، فاجتهد في إبرام الصلح معهما ليتفرغ لصدّ هجمات الجيوش العثمانية.[92] وكانت هذه الجزيرة محصنة تحصيناً منيعاً، وابتدأ العثمانيون حصارها في يوم 23 مايو سنة 1480م، الموافق 13 ربيع الأول سنة 885هـ، وظلّت المدافعتقذف عليها القنابل الحجرية تهدّم أسوارها، لكن كان يُصلح سكانها في الليل كل ما تخربه المدافع في النهار، ولذلك استمر حصارها ثلاثة أشهر حاول العثمانيون خلالها الاستيلاء على أهم قلاعها، واسمها قلعة القديس نيقولا، بدون جدوى.[92] وفي يوم 28 يوليو سنة 1480م، الموافق 20 جمادى الأولى سنة 885هـ، أمر القائد العام بالهجوم على القلعة ودخولها من الفتحة التي فتحتها المدافع في أسوارها، فهجمت عليها الجيوش وقاوم المدافعون بكل بسالة وإقدام. وبعد أخد وردّ، تقهقر العثمانيون بعد أن قُتل وجُرح منهم كثيرون، ورفع الباقون عنها الحصار.[92]بعد أن تم الصلح مع البنادقة، وُجهت الجيوش إلى بلاد المجر لفتح إقليم ترانسلفانيا، فقهرها "كينيس" كونت مدينة "تمسوار" بالقرب من مدينة "كرلسبرغ" في 13 أكتوبر سنة 1476، وقُتل في هذه الموقعة كثير من العثمانيين وارتكب المجر فظائع وحشية بعد الانتصار، فقتلوا جميع الأسرى ونصبوا موائدهم على جثثهم.[92] وفي سنة 1480 فُتحت جزراليونان الواقعة بين بلاد اليونان وإيطاليا، وبعدها سار أمير البحر كدك أحمد باشا ‏(en) بمراكبه لفتح مدينة أوترانت ‏(en)بجنوب إيطاليا، التي كان عزم السلطان على فتحها جميعها. ويُقال أنه أقسم بأن يربط حصانه في كنيسة القديس بطرسبمدينة روما، مقر البابا، ففُتحت أوترانت عنوة في يوم 11 أغسطس سنة 1480م، الموافق 4 جمادى الثانية سنة885هـ.[92] 
وفاته : 
  الربيع من عام 886هـ - 1481م غادر السلطان الفاتح القسطنطينية إلى آسيا الصغرى حيث كان قد أُعد في إسكدار جيش آخر كبير. وكان السلطان محمد الفاتح قبل خروجه من اسطنبول قد أصابته وعكة صحية إلا أنه لم يهتم بذلك لشدة حبه للجهاد وشوقه الدائم للغزو وخرج بقيادة جيشه بنفسه، وقد كان من عادته أن يجد في خوض غمار المعارك شفاء لما يلم به من أمراض إلا أن المرض تضاعف عليه هذه المرة وثقلت وطأته بعد وصوله إلى إسكدار فطلب أطباءه. غير أن القضاء حم به فلم ينفع فيه تطبيب ولا دواء. 
ومات السلطان الفاتح وسط جيشه العرمرم يوم الخميس الرابع من ربيع الأول 886هـ ( 3 مايو 1481م ) وهو في الثانية والخمسين من عمره بعد أن حكم نيفاً وثلاثين عاماً. 
وبعد أن ذاع نبأ الوفاة في الشرق والغرب، أحدث دوياً هائلاً اهتزت له النصرانية والإسلام، أما النصرانية فقد غمرها الفرح والابتهاج والبشرى وأقام النصارى في رودس صلوات الشكر على نجاتهم من هذا العدو المخيف ، وكانت جيوش الدولة العثمانية قد وصلت إلى جنوب إيطاليا لفتح كل إيطاليا وضمها للدولة العثمانية إلا أن خبر الوفاة وصلهم فانتاب الجنود هم شديد وحزن عميق واضطر العثمانيون في الدخول لمفاوضات مع ملك نابولي لينسحبوا آمنين على حياتهم وأمتعتهم وعتادهم وتمّ الاتفاق على ذلك إلا أن النصارى لم يفوا بما تعهدوا واعتقلوا بعض الجنود الذين كانوا في المؤخرة وصفدوهم بالحديد . 
وعندما وصل خبر وفاة السلطان إلى روما ابتهج البابا وأمر بفتح الكنائس وأقيمت فيها الصلوات والاحتفالات، وسارت المواكب العامة تجوب الشوارع والطرقات وهي تنشد أناشيد النصر والفرح بين طلقات المدافع وظلت هذه الاحتفالات والمهرجانات قائمة في روما طيلة ثلاثة أيام، لقد تخلصت النصرانية بوفاة محمد الفاتح من أعظم خطر كان يهددها . 
لم يكن أحد يعلم شيئاً عن الجهة التي كان سيذهب إليها السلطان الفاتح بجيشه، وذهبت ظنون الناس في ذلك مذاهب شتى. فهل كان يقصد رودس ليفتح هذه الجزيرة التي امتنعت على قائده مسيح باشا؟ أم كان يتأهب للحاق بجيشه الظافر في جنوبي إيطاليا ويزحف بنفسه بعد ذلك إلى روما وشمالي إيطاليا ففرنسا وإسبانيا ؟ 
لقد ظل ذلك سراً طواه الفاتح في صدره ولم يبح به لأحد ثم طواه الموت بعد ذلك . 
لقد كان من عادة الفاتح أن يحتفظ بالجهة التي يقصدها ويتكتم أشد التكتم ويترك أعداءه في غفلة وحيرة من أمرهم، لا يدري أحدهم متى تنزل عليه الضربة القادمة ثم يتبع هذا التكتم الشديد بالسرعة الخاطفة في التنفيذ فلا يدع لعدوه مجالاً للتأهب والاستعداد . 
وذات مرّة سأله أحد القضاة أين تقصد بجيوشك فأجابه الفاتح : " لو أن شعرة في لحيتي عرفت ذلك لنتفتها وقذفت بها في النار ... ". 
إن من أهداف الفاتح أن يمضي بفتوحات الإسلام من جنوب إيطاليا إلى أقصاها في الشمال ويستمر في فتوحاته بعد ذلك إلى فرنسا وأسبانيا وما وراءها من الدول والشعوب والأمم. 
لقد تأثر المسلمون في العالم الإسلامي لوفاة محمد الفاتح وحزنوا عليه حزناً عميقاً وبكاه المسلمون في جميع أقطار المعمورة، لقد بهرتهم انتصاراته، وأعاد إليهم سيرة المجاهدين الأوائل من السلف الصالح .