عبد الرحمن الناصر
اول خليفه اموى بأسبانيا
( 16 أكتوبر 912 م– 16 يناير 929م)
عبد الرحمن الناصر لدين الله أو عبد الرحمن الثالث ثامن أمراء أمويي الأندلس ولد في 22 رمضان 277 هـ/2 يناير 891 م، هو أول من تسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين في عهد الدولة الاموية في بألاندلس ويعتبر أقوى الأمراء، ويعتبر عصره من العصورالذهبية للأندلس واشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء وامتد حكمه إلى خمسين عاماً.
وكانت سياسته ترمي أولاً إلى تركيز السلطة في يده، وتوحيد الأندلس على مثل ماكانت عليه في عهد خلفاء بني أمية الأقوياء. واتخذ سياسة تقوم على الترغيب والترهيب. فكاتب أمراء البلاد، فبايعه بعضهم، وأعد حملة خرج على رأسها لقهر الخارجين عليه، وافتتح مايقرب من ثلاثمائة حصنٍ خلال نصف شهر. وقضى على أخطر المعارضين: عمر بن حفصون وأولاده جعفر وسليمان وحفص، واستولى على معقلهم ببشتر عام 315هـ، 927م. وتلقب بألقاب الخلافة عام 317هـ، 929م، ليوطد مركزه داخل الأندلس وخارجها، واستعد لصد الفاطميين بالمغرب عندما هموا بغزو الأندلس، فانصرفوا إلى فتح مصر. وواجه خطر الممالك النصرانية شمالي الأندلس، وتمكن بعد معارك دامية من الانتصار على مملكتي ليون ونبرة، وصالحته الممالك النصرانية، ووفدت عليه سفاراتها، ومن بينها وأعظمها سفارة بيزنطة عام 338هـ، 949م.[10]
نسبه
اسمه الكامل هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الربضي، بن هشام بن عبد الرحمن (الداخل) أبو المطرف، الناصر لدين الله الأمير الثامن من أمراء الدولة الأموية بالأندلس. أمه أم ولد اسمها (ماريا) أو (مزنة) كما تسميها الروايات العربية.
حياته
تولى الخلافة عقب وفاة جده الخليفة عبد الله بن محمد (275 - 300هـ ، 888 - 912م). اتهم والده بالاشتراك في مؤامرة ضد جده عبدالله، فسجنه والده، ومات هناك مقتولاً بيد أخيه المطرف بن عبد الله. ونال المطرف جزاءه بأن قتله أبوه عبدالله، واحتضن حفيده اليتيم عبدالرحمن بن محمد، وهو في المهد، وخصه بالرعاية دون غيره من أبنائه. والراجح أنه كان يستشعر الندم لتسببه في قتل ابنه محمد، فأراد أن يكفر عن خطيئته.
ولم ينازعه أعمامه وأعمام أبيه الخلافة لما كان يحيط بها من أخطار وكثرة الفتن والتمزق السياسي، حيث رفع كثير من ثوار البربر والمولدين راية الاستقلال عن قرطبة، مثل: جيان التي استقل بها موسى بن ذي النون، وببشتر معقل أسرة ابن حفصون المولدة، وأشبيليا مقر حكومة بني خلدون وبني حجاج، وبطليموس التي تحصن فيها عبدالرحمن بن مروان الجليقي، وباجة قلعة عبدالرحمن بن سعيد بن مالك.
وكانت سياسته ترمي أولاً إلى تركيز السلطة في يده، وتوحيد الأندلس على مثل ماكانت عليه في عهد خلفاء بني أمية الأقوياء. واتخذ سياسة تقوم على الترغيب والترهيب. فكاتب أمراء البلاد، فبايعه بعضهم، وأعد حملة خرج على رأسها لقهر الخارجين عليه، وافتتح مايقرب من ثلاثمائة حصنٍ خلال نصف شهر. وقضى على أخطر المعارضين: عمر بن حفصون وأولاده جعفر وسليمان وحفص، واستولى على معقلهم ببشتر عام 315هـ، 927م.
وتلقب بألقاب الخلافة عام 317هـ، 929م، ليوطد مركزه داخل الأندلس وخارجها، واستعد لصد الفاطميين بالمغرب عندما هموا بغزو الأندلس، فانصرفوا إلى فتح مصر. وواجه خطر الممالك النصرانية شمالي الأندلس، وتمكن بعد معارك دامية من الانتصار على مملكتي ليون ونبرة، وصالحته الممالك النصرانية، ووفدت عليه سفاراتها، ومن بينها وأعظمها سفارة بيزنطة عام 338هـ، 949م. توفي بقرطبة بعد حكم دام أكثر من خمسين عامًا، وبلغت الأندلس في عهده عصرها الذهبي. وتشهد آثاره في قرطبة والزهراء بما بلغته الحضارة الأندلسية من سمو وازدهار.
أهم المعارك
كان عبد الرحمن بن محمد الأموي الذي لقب فيما بعد بالناصر لدين الله وأول من لقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس الكثير من الفتوحات في الأندلس.
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: لم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع العدل، وكثر الأمن، ثم بعث جيشا إلى المغرب، فغزا برغواطة بناحية سلا، ولم تزل كلمته نافذة، وسجلماسة، وجميع بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون.[11]
وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا، وصفا وجهه للروم، وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة، ودوخهم، ووضع عليه الخراج، ودانت له ملوكها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة.
وساق إليها أنهارا، ونقب لها الجبل، وأنشأها مدورة، وعدة أبراجها ثلاث مئة برج، وشرفاتها من حجر واحد، وقسمها أثلاثا: فالثلث المسند إلى الجبل قصوره، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، وكانوا اثني عشر ألفا بمناطق الذهب، يركبون لركوبه، والثلث الثالث بساتين تحت القصور.[12]
وفُتح في عهده فتوحات كثيرة وكان لا يمل ولا يكل من الجهاد في سبيل الله ومن الفتوحات التي تمت في عهده فتح مطونية وكانت سنة 306هـ، وكان سببها أن المشركين تطاولوا على من كان بإزائهم من أهل الثغور، فأمر بالاحتفال في الحشد وجمع الرجال والتكثير من الأجناد والفرسان الأبطال. وعهد إلى حاجبه بالغزو بنفسه في الصائفة. ونفذت كتبه إلى أهل الأطراف والثغور بالخروج إلى أعداء الله، والدخول في معسكره، والجدّ في نكاية أهل الكفر، والإيقاع بهم في أواسط بلادهم، ومجتمع نصرانيتهم.
وبعد أن فصل الحاجب بالجيوش انثالت إليه العساكر من كل جهة في أٌرب ثغور المسلمين؛ ودخل بهم دار الحرب، وقد انحشد المشركون، وتجمعوا من أقاصي بلادهم، واعتصموا بأمنع أجبلهم؛ فنازلهم الحاجب بدر بن أحمد بأولياء الله وأنصار دينه؛ فكانت له على أعداء الله وقائع اشتفت فيها صدور المسلمين، وانتصروا على أعداء الله المشركين. وقتل في هذه الغزاة من حماتهم، وأبطالهم، وصلاة الحروب منهم، جملة عظيمة لا يأخذها عدٌّ، ولا يحيط بها وصف. وكان الفتح يوم الخميس لثلاث خلون من ربيع الأول ويوم السبت لخمس خلون من ربيع الأول، في معارك جليلة، لم يكن أعظم منها صنعا، ولا أكثر من أعداء الله قتيلا وأسيرا.
وكان الأمير الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد يخرج على رأس الجيوش للغزو ومن الغزوات التي كان على رأسها غزاة مويش، والتي كانت في سنة 308، فتأهب لهذه الغزاة يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة 307؛ ثم فصل غازيا من قصر قرطبة حتى نزل بمخاضة الفتح،وقد ورد عليه كتاب من عاملها يخبره بإغارة المشركين من أهل جليقية على ما لاقوه في بسيطهم من الدواب والسوام، ثم تحصنوا بحصن قريب منهم يعرف بالقليعة؛ فأرادوا التغلب عليه إلا أن أهل المدينة برزوا إليهم راجلهم وفارسهم حتى منهحم الله أكتاف الكفرة فانتصروا عليهم، واستبشر الناصر لدين الله خير بهذا النصر على المشركين ثم نهض آما لوجهته، وقد اجتمعت العساكر واحتشدت الحشود فالكل يريد أن يغزو في سبيل الله ويرفع راية الإسلام، وخرج معه أهل طليطلة، وخرج للجهاد معه أهل مدينة الفرج. ونهض أمير المؤمنين الناصر - رحمه الله - بما اجتمع معه رحمه الله من جنو، وكان قد أظهر - رحمه الله - التوجه إلى الثغر الأقصى. وقدمت المقدمة نحوه، ثم عرج بالجيوش إلى طريق آلية والقلاع، وطوى من نهاره ثلاث مراحل، حتى احتل بوادي دوبر؛ فاضطربت العساكر فيه، وباتت عليه.
وأرسل إلى حصن وخشمة وزيره سعيد بن المنذر في جرائد الخيل وسرعان الفرسان، فأغدَّ السير حتى قرب من الحصن، وسرح الخيل المغيرة يمنة ويسرة، والمشركون في سكون وغفلة، إذ كان العلج الذي يلي أمورهم قد كاتب أمير المؤمنين - رحمه الله -، مكايدا له في إزاحته عن بلده بمواعيد وعدها من نفسه؛ فأظهر أمير المؤمنين - رحمه الله - قبول ذلك منهم، وأضمر الكيد بهم؛ فغشيتهم الخيل المغيرة على حين غفلة، وأصابوا نعمهم وسوامهم ودوابهم مسرحة مهملة؛ فاكتسحوا جميع ذلك، وانصرفوا إلى العسكر سالمين غانمين.
واندفعت الجيوش في يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر، في أكمل تعبئة، وأهذب ترتيب، وأوكد ضبط، وأبلغ حزم وعزم، إلى حصن وخشمة؛ ففر عنه الكفرة، وأخلوه، ولاذوا بالغياض الأشبة، والصخور المنقطعة. ودخل المسلمون الحصن، وغنموا جميع ما فيه وأضرموه،وبعد أن أتم الله فتح هذا الحصن رحل الناصر لدين الله إلى حصن قاشتر مورش، وهي شنت أشتبين، بيضة المفرة، وقاعدتهم، والموضع الذي كانوا تعودوا فيه الاستطالة على من وردهم. فلما رأوا أن الناصر قادم إليهم بجيوش المسلمين، أخلوا الحصن وخرجوا هاربين عنه؛ فدخله المسلمون، وغنموا جميع ما فيه؛ وخربوا حصن القبيلة المجاور له، ولم يترك لأعداء الله في تلك الجهة نعمة يأوون إليها. وبات المسلمون في هذه الليلة بأسر ليلة كانوا بها، والحمد لله.
وتعقب الناصر لدين الله في اليوم الثاني الهاربين من الحصن ولم يكن بين الموضعين إلا قدر ميل؛ فكسر العسكر في ذلك المكان يوم الأحد متقصيا لآثار الكفرة، ومستبيحا لنعمهم. ثم ارتحل إلى مدينة لهم تعرف بقلونية، وكانت من أمهات مدنهم؛ فلم تمر الجيوش إليها إلا على قرى منتظمة وعمارة بسيطة؛ فغنمت جميع ما كان بها، وقتلت من أدركت فيها، حتى أوفت العساكر على المدينة؛ فألقيت خالية، قد شرد عنها أهلها إلى الأجبل المجاورة لهم؛ فغنم المسلمون جميع ما أصابوا فيها، وعملت الأيدي في تخريب ديارها وكنائسها. وكسر الناصر - رحمه الله - عليها ثلاثة أيام، مطاولا لنكاية المشركين، وانتساف نعمهم. ثم ارتحل - رحمه الله - من مدينة قلونية إلى ثغر طليطلة، لغياث صريخ المسلمين به، إذ كان العلج شانجه قد ضايقهم، وتردد عليهم؛ فأخذ الناصر - رحمه الله - بالرفق في نهوضه، لئلا يعنف على المسلمين بحث السير مع اتصال سفرهم؛ فاستقبل بالجيوش قطع المفاز الأعظم، مسايرا لوادي دوير، وقطع في ذلك خمس محلات، حتى احتل حوز طليطلة؛ ثم قدم الخيل مع محمد ابن لبّ عاملها إلى حصن قلهرة الذي كان اتخذه شانجه على أهلها. فلما قصدته الخيل، أخلاه من كان فيه، وضبطه المسلمون.
ثم نهض إلى حصن قلهرة. وكان شانجه قد اتخذه معقلا، وتبوَّأه مسكنا. فلما فجأته العساكر، أخلاه العلج، وزال عنه؛ فغنمه المسلمون بأسره؛ وكسر الناصر - رحمه الله - عليه يومين حتى خرب جميعه، وانتسف كل ما كان حواليه. ثم رحل بالجيوش دي شره، وأجاز إليها وادي إبره؛ فخرج شائجه من حصن أرنيط في جموعه وكفرته، متعرضا لمن كان في مقدمة العسكر؛ فتبادر إليه شجعان الرجال، تبادر رشق النبال؛ فانهزم الكفرة، وركبتهم الخيل، تقتل وتجرح، حتى تواروا في الجبال، ولاذوا بالشعاب وأيقنوا بالدمار والهلاك. وحيز كثير من رؤوس المشركين؛ فتلقوا بها أمير المؤمنين - رحمه الله -، ولا علم عنده المعركة التي دارت بينهم وبين أعداء الله. واضطرب العسكر بهذا الموضع، وبات المسلمون ظاهرين على عدوهم، ومنبسطين في قراهم ومزارعهم.
وورد الخبر على الناصر باجتماع العلجين أرذون وشانجه، واستمداد بعضهما ببعض، طامعين في اعتراض المقدمة، أو انتهاز فرصة في الساقة. فأمر الناصر بتعبئة العساكر، وضبط أطرافها؛ ثم نهض بها موغلا في بلاد الكفرة؛ فتطللوا على كدّي مشرفة وأجبل منيعة؛ ثم تعرضوا من كان في أطراف الجيش، وجعلوا يتصابحون، ويولولون ليضعنوا من قلوب المسلمين؛ فعهد الناصر - رحمه الله - بالنزول والاضطراب وإقامة الأبنية. ثم تبادر الناس إلى محاربة الكفرة، وقد أسهلوا من تلك الأجبل؛ فواضعوهم القتال، واقتحم عليهم حشم أمير المؤمنين ورجاله وأبطال الثغر وحماته، ويضعون أسلحتهم فيهم، ويمطرون رماحهم عليهم، حتى انهزم المشركون، لا يلوون على مكان مضطربهم، ولا يهتدون لوجه متقلبهم، والمسلمون على آثارهم، يقتلون من أدركوا منهم، حتى حجز الظلام بينهم.
ولجأ عند الهزيمة أزيد من ألف علج إلى حصن مويش، ورجوا التمتع فيه. فأمر الناصر بتقديم المظل وأبنية العسكر إلى الحصن؛ فأحبط به من جميع جهاته، وحوربوا داخله حتى تغلب عليه، واستخرج جميع العلوج منه، وقدموا إلى الناصر - رحمه الله -؛ فضربت رقاب جميعهم بين يديه، وأصيب في الحصن والمحلة التي كانت للكفرة بقربه من الأمتعة والأبنية والحلية المتقنة والآنية ما لا يحصى كثرة؛ وأصيب لهم نحو ألف وثلاثمائة فرس. وكسر أمير المؤمنين - رحمه الله - بهذه المحلة أربعة أيام، يغير جميع ما حواليها من نعم المشركين وثمراتهم ومزارعهم؛ ثم انتقل - رحمه الله - يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول إلى حصن كان أتخذه شانجه على أهل بقيرة؛ فألقاه خاليا، قد فرَّ عنه أهله؛ فعهد بهدمه، ولم يبرح أمير المؤمنين - رحمه الله - من محلته هذه حتى انتقل إلى حصن بقيرة من أطعمة الكفرة ألف مُدي تقوية لأهله.
ثم انتقل إلى حصون المسلمين يسكنها وينظر في مصالح أهلها؛ فكلما ألفى بقربها معقلا للمشركين، هدمه وأحرق بسيطه، حتى لقد اتصل الحريق في بلاد المشركين عشرة أميال في مثلها. واجتمع عند الناس من الأطعمة والخيرات ما عجزوا عن حمله، ولم يجدوا لها ثمنا تباع؛ وكان القمح في العسكر تبذل ستة أقفزة بدرهم؛ فلا يوجد من يشتريه، وقفل الناصر - رحمه الله - يوم الثلاثاء. لثلاث بقين من ربيع الأول، حتى انتهى إلى مدينة أنتيشة؛ فكسر - رحمه الله - بها يوما، ووصل رجال الثغر، وكساهم، وحملهم، وأذن لهم في الرجوع إلى مواضعهم. وبعث إلى قرطبة من رؤوس الكفرة التي أصيبت في المعارك المذكورة أعدادا عظيمة، حتى لقد عجزت الدواب عن استيفاء حملها. ودخل - رحمه الله - القصر بقرطبة يوم الخميس الثالث عشر من ربيع الآخر، وقد استكمل في غزاته هذه تسعين يوما.
أهم أعماله
قضى على الفتن وثورات في ولايات الأندلس وأعادها إلى حكم الدولة الأموية.
تمكن من هزيمة الجلادقة الإسبان القشتاليين والنڤاريين والليونيين وردهم إلى ثغورهم.
بنى مدينة الزهراء المدينة الملكية التي تعتبر رمز الحضارة الأندلسية.
حمل إلى المدينة الرخام من أقطار الغرب، وأقام فيها أربعة آلاف وثلاثمائة سارية، وأهدى له ملك الفرنجة أربعين سارية من رخام.
قالوا عنه
قال عنه الذهبي:
« كان لا يمل من الغزو، فيه سؤدد وحزم وإقدام، وسجايا حميدة، أصابهم قحط، فجاء رسول قاضيه منذر البلوطي يحركه للخروج، فلبس ثوبا خشنا، وبكى واستغفر، وتذلل لربه، وقال: ناصيتي بيدك، لا تعذب الرعية بي، لن يفوتك مني شئ.
فبلغ القاضي، فتهلل وجهه، وقال: إذا خشع جبار الأرض، يرحم جبار السماء، فاستسقوا ورحموا.
وكان - رحمه الله - ينطوي على دين، وحسن خلق ومزاح»
.[13]
يقول فيه أحمد بن عبد ربه الأندلسي[14]: قد أوضحَ اللّه للإِسلام مِنهاجَا والناسُ قد دَخلوا في الدِّين أفواجَا
وقد تَزينت الدُّنيا لساكنها وكأنما ألْبست وَشْياً ودِيباجا
يا بنَ الخلائف إنّ المُزن لو عَلمت نَداك ما كان منها الماءُ ثجَاجا
والحربُ لو علمت بأساً تَصول به ما هًيجت من حُميّاك الذي اهتاجا
ماتَ النِّفَاق وأعطى الكُفْرُ ذِمّتَه وذلّت الخَيل إلجاماً وإسراجا
وأصبح النصرُ معقوداً بألْوية تَطْوي المراحلَ تَهْجِيراً وإِدْلاجا
أدخلتَ في قُبة الإسلام مارقةً أخرجتَهم من ديار الشِّرك إخراجا
بجَحْفل تَشْرَقُ الأرض الفضاءُ به كالبَحر يَقْذِف بالأمواج أمواجا
يقوده البدرُ يَسْرِي في كواكبه عَرمرماً كسواد اللّيل رجْراجا
تَرُوق فيه بُرِوق الموت لامعةً وتَسْمعون به للرَّعد أهْزَاجا
غادرتَ في عَقْوتي جَيَّان مَلْحمةً أبكيتَ منها بأرض الشرِّك أعلاجا
في نِصْف شهر تركتَ الأرضَ ساكنةً من بعدما كان فيها الجَوْرُ قدماجا
وُجِدتَ في الخبر المأثور مُنْصلتاً مِن الخلائف خَراجاً وولاجا
تُملأ بك الأرض عدلاً مثل ما مُلئت جَوْراً وتُوضِحُ للمَعروفِ مِنْهاجا
يا بَدْر َظُلمتها يا شَمْسَ صُبحتها يا ليْثَ حَوْمتها إنْ هائجٌ هاجا
إنّ الخلافةَ لن تَرْضىَ ولا رَضِيت حتى عَقدت لها في رَأسك التَّاجا
وفاته
توفي الناصر لدين الله ربه وعمره ثلاث وسبعون سنة وسبعة أشهر. وقد توفي يوم الأربعاء لليلتين خلتا من شهر رمضان المعظم سنة 350هـ؛ فكانت خلافته خمسين سنة وستة أشهر وثلاثة أيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق