الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

فون بسمارك



فون بسمارك 
اول مستشار للقيصريه الالمانيه الثانيه 
( أبريل 1815 - 30 يوليو 1898 )



أوتو إدوارد ليوبولد، الأمير فون بسمارك، دوق لاونبورج (1 أبريل 1815 - 30 يوليو 1898) أحد أشهر الساسة الأوروبيين بالقرن التاسع عشر. عن طريق منصبه كرئيس وزراء بروسيا ووزير خارجيتها، كانت له يد كبيرة في تأسيس القيصرية الألمانية الثانية إبان الحرب الألمانية الفرنسية وقد أصبح أول مستشار لها. اشتهر بسمارك بلقب "المستشار الحديدي". لعب بسمارك دوراً هاماً حين كان مستشارا للرايخ الألماني, وأثرت أفكاره على السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر. 

حياته

ولد بسمارك في شونهاوزن، وهي ضيغة تمتلكها عائلته الثرية غرب برلين في مقاطعة ساكسونيا. كان والده فيلهلم فرديناند فون بسمارك (1771- 1845) مالكا زراعيا, كان ضابطا سابقا في الجيش البروسي. وكانت والدته فيلهلمينه لويزه مينكن (1789- 1839) التي تزوجها والده في بوتسدام عام 1806 تنتمي إلى عائلة ساكسونية متوسطة. وكان لبسمارك أخ وأخت.

بسمارك في صباه

تلقي بسمارك تعليمه في مدرستي فريدريش فيلهلم وجراوس كلوستر الثانويتين. وحين بلغ سن السابعة عشرة التحق بجامعة جيورج أوْجوست في جوتنجن, حيث قضى عاما فقط انضم خلالها إلى فيلق هانوفيرا, تم انتقل إلى جامعة فريدريش فيلهلم في برلين. وعلى الرغم من أن بسمارك كان يطمح إلى أن يصبح دبلوماسيا, إلا أنه كان ليقنع بمناصب إدارية صغيرة في آخن وبوتسدام.

تزوج بسمارك من يوهانا فون بوتكامر (1824- 1894) والتي تنحدر من عائلة نبيلة في عام 1847. وكان الاثنان يعتنقان اللوثرية التقوية. وقد أثمر زواجهما عن طفلة هي ماري وولدين هما هربرت وفيلهلم, ماتوا جميعا في مقتبل العمر.
بداية حياته السياسية

في العام الذي تزوج فيه بسمارك اختير ليكون نائبا في المجلس التشريعي الجديد "مجلس الشورى الموحد". وهناك اكتسب شهرة كمناصر للمكلية وكسياسي محنك. وكان يدافع في كل مناسبة عن فكرة أن الملك لديه الحق الإلهي في الوجود.

وحين اندلعت الثورة في بروسيا مارس 1848 (وكانت هذه الثورة إحدى الثورات الشعبية التي اجتاحت أوروبا في ذلك العام), وكادت الثورة أن تسقط الملك فريدريش فيلهلم الرابع. ورغم أنه رفض في البداية اللجوء إلى القوة العسكرية لقمع المتمردين وإخماد نيران الثورة, إلا أنه قرر في النهاية استخدامها لإنهاء الثورة قبل استفحالها. وبعد نجاحه في إخمادها وجه وعوده إلى الحركة الليبرالية بإقرار دستور يعترف بوحدة الشعب الألماني وحقه في إنشاء دولة متحدة, وعين أحد الليبراليين وهو لودولف كام ، رئيسا لوزراء بروسيا, في محاولة منه لاكتساب بعض الشعبية. غير أن الحركة الليبرالية التي قادت الثورة ما لبثت أن ضعفت في أقل من عام بسبب تنافسهم الداخلي, فعاد المحافظون إلى الحكم مرة أخرى, حين نجحوا في اكتساب دعم الملك. ورغم أن الدستور أقر إلا أنه لم يفي بالمطالب الدنيا للثوريين.

وفي عام 1849 انتخب بسمارك لعضوية مجلس الشورى, وهو أحد غرفتي المجلس التشريعي البروسي. وفي هذه المرحلة من حياته السياسية كان بسمارك يعارض الوحدة الألمانية بحجة ان بروسيا سوف تفقد استقلالها في ذلك الاتحاد. وقد قبل تعيينه كأحد النواب في برلمان إرفورت, وهو برلمان اجتمعت فيه عدة إمارات ألمانية لمناقشة مشروع الوحدة الألمانية, إلا ان البرلمان فشل في صياغة هذا المشروع لغياب دعم أهم مملكتين ألمانيتين وهما بروسيا والنمسا.

وفي عام 1851 عينه فريدريش فيلهلم مبعوثا إلى مجلس الاتحاد الألماني في فرانكفورت. وقد تميزت فترة الثماني سنوات التي قضاها في فرانكفورت بتغيرات هامة في آرائه السياسية. فقد تخلص من تأثيره أصدقائه المحافظين, وأصبح أكثرا اعتدالا سياسيا. وأصبح يؤمن بأن بروسيا يجب ان تتحد مع الإمارات اللمانية الأخرى لمواجهة خط النفوذ النمساوي المتزايد, وهكذا ترسخ لديه الإيمان بأمة ألمانية متحدة.

في عام 1858 أصيب الملك فريدريش فيلهلم بصدمة تسببت له بالشلل والعجز العقلي, فتولى أخوه الأمير فيلهلم الوصاية على العرش وتولي إدارة شؤون الحكم في مملكة بروسيا. وما لبث فيلهلم ان استبدل بسمارك كمبعوث في فرانكفورت, وعين سفيرا لبروسيا في الإمبراطورية الروسية. وكان تلك نقطة هامة في حياة بسمارك السياسية, حيث كانت روسيا أحد أهم جارتين سياسيتين لبروسيا (وكانت الأخرى هي النمسا). وقد عين الأمير فيلهلم الوصي على العرش, هلموت فون مولتكه رئيسا جديدا للأركان في الجيش البروسي, وألبريشت فون رون وزيرا للحرب وأكل إليه مهمة إعادة تنظيم الجيش. وكان هؤلاء الثلاثة هم من ساهموا في تحول بروسيا في السنوات الاثني عشرة التالية.

بقي بسمارك في سانت بطرسبورج لأربع سنوات, ربطت الصداقة خلالها بينه وبين الأمير جورتشاكوف, الذي سيكون خصمه في المستقبل. وفي يونيو 1862 أرسل إلى باريس ليكون سفيرا لبروسيا في فرنسا. وبرغم بقاءه الطويل خارج ألمانيا إلا انه لم ينفصل تماما عن الشؤون الداخلية الألمانية, فقد ظل على اطلاع كامل بسبب صداقته مع رون وزير الحرب, وقد شكل الاثنان حلفا سياسيا قويا.

رئيس وزراء بروسيا


توج الأمير فيلهلم الوصي على العرش, ملكا على بروسيا ولقب ب "الملك فيلهلم الأول" بعد وفاة أخيه في عام 1861. وكان الملك الجديد في خلاف متزايد مع المجلس البروسي الليبرالي, وقد تفاقمت الأزمة في عام 1862 إثر رفض المجلس الموافقة على ميزانية إعادة تنظيم الجيش. لم يستطع وزراء الملك إقناع النواب بتمرير الميزانية, ولم يكن الملك على استعداد لإعطاء تنازلات. آمن فيلهلم بأن بسمارك هو الشخص الوحيد الذي يستطيع معالجة الأزمة. وحين أجمع مجلس النواب في سبتمبر 1862على رفض الميزانية المقدمة, قرر فيلهلم استدعاء بسمارك إلى بروسيا بناء على نصيحة من رون. وفي الثالث والعشرين من سبتمبر 1862 عين فيلهلم بسمارك رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية.

كان بسمارك عازما على المحافظة على هيبة الملك بإنهائه الخلاف حول الميزانية لصالح الملك, حتى لو اضطر إلى استخدام وسائل غير دستورية. وكانت وجهة نظره ان الدستور لم يفصل في حالة ما إذا فشل النواب في إقرار الميزانية, وعليه فإن ميزانية العام الماضي تظل سارية. وعليه فبناء على ميزانية عام 1816 فإن جمع الضرائب سيستمر لأربعة سنوات.

وتصعدت حدة الخلاف بين المجلس وبسمارك في السنوات التالية. ففي عام 1863 أصدر مجلس النواب قرارا يقولون فيه بعدم شرعية بقاء بسمارك في منصبه, وفي المقابل رد الملك بحل المجلس متهما إياه بمحاولة السيطرة الغير دستورية على الوزارة. ثم قرر بسمارك فرض الرقابة على الصحافة, وقد لقي هذا القرار معارضة علنية من ولي العهد الأمير فريدريش فيلهلم (الذي أصبح فيما بعد الملك فريدريش الثالث). وبرغم الانتقادات العديدة ظل بسمارك سياسيا عديم الشعبية. وقد سقط مؤيدوه في انتخابات أكتوبر 1863, التي فاز فيها الائتلاف الليبرالي (الذي يقوده حزب التقدم) بأكثر من ثلثي مقاعد المجلس. وقد طالب المجلس مرارا الملك فيلهلم الأول بإقالة بسمارك, إلا ان الملك ظل على تأييده له, خوفا منه بان يحل محل وزارة بسمارك وزارة ليبرالية.
الوحدة الألمانية
هزيمة الدنمارك والنمسا

كانت ألمانيا تتكون من العديد من الإمارات المتفرقة. قرر بسمارك استخدام الدبلوماسية والعسكرية البروسية لتحقيق الوحدة, واستثني النمسا من الاتحاد لرغبته في ان تكون بروسيا هي أقوى الأعضاء واكثرهم نفوذا في الأمة المتحدة الجديدة. واجه بسمارك أزمة دبلوماسية حين مات فريدريك الرابع ملك الدنمارك في نوفمبر عام 1863. فقد نشأ نزاع حول تبعية دوقيتي شليزفيج وهولشتاين بين كريستيان الرابع (وريث الملك فريدريك الرابع) ملك الدنمارك, وبين فريدريش فون أوْجوستنبورج (وهو دوق ألماني).

وكان الرأى العام البروسي يؤيد تبعية الوقيتين للدوق الألماني. غير أن بسمارك اتخذ خطوة غير شعبية بإصراره على تبعية الدقيتين للدنمارك بموجب بروتوكول لندن الموقع قبل عشر سنوات. غير أنه عاد فأعلن رفضه لضم الدنمارك للدوقيتين. وبدعم من النمسا أرسل قرره النهائي إلى كريستيان بضرورة إعادة الدوقيتين إلى الوضع الذي كانت عليه من قبل. وحين رفضت الدنمارك القرار, قررت بروسيا والنمسا شن الحرب على الدنمارك "حرب شليزفيج الثانية", وأجبرت الدنمارك على التنازل عن كلتا الدوقيتين. وفي الأساس فقد اقترح أن يقرر مجلس الاتحاد الألماني (الذي يمثل كل الإمارات الألمانية) بشأن مصير الدوقيتين. ولكن قبل أن يحدث هذا أقنع بسمارك النمسا بالموافقة على معاهدة "جاستاين". وبموجب هذه الاتفاقية الموقعة في 20 أغسطس 1865 ، تذهب شليزفيج إلى بروسيا وتذهب هولشتاين إلى النمسا. وفي هذا العام منح بسمارك لقب "أمير فون بسمارك - شونهاوْزن".

لكن في عام 1866 خالفت النمسا الاتفاق السابق وذلك بمطالبتها بأن يقرر المجلس مصير شليزفيج وهولشتاين. فاستغل بسمارك ذلك ذريعة لبدء حرب ضد النمسا, باتهام النمساويين بأن أخلوا باتفاقية جاستاين. وأرسل بسمارك القوات البروسية لاحتلال هولشتاين. وسرعان ما طلبت النمسا مساعدة باقي الإمارات الألمانية, التي لبت هذا الطلب وخاضت الحرب البروسية النمساوية. وبفضل إعادة تنظيم الجيش البروسي الذي قام به ألبريشت فون رون, فإن قوة الجيش البروسي كانت تضاهي قوة الجيش النمساوي. وقد شكل بسمارك حلفا سريا مع إيطاليا, التي كانت تطمع في السيطرة على "فينيتيا" التي كانت خاضعة للسيطرة النمساوية. وبدخول إيطاليا الحرب اضطرت النمسا إلى تقسيم قواتها, لمواجهة الجيش البروسي من جهة, والجيش الإيطالي من جهة أخرى.

هزمت بروسيا النمسا وحلفائها هزيمة ساحقة في معركة كونيجريتس. ونتيجة لصلح براج الذي عقد في عام 1866, فقد حل الاتحاد الألماني, وضمت بروسيا إليها شليزفيج وهولشتاين وفرانكفورت وهانوفر وهيسه - كاسل وناساوْ, وتعهدت النمسا بعدم التدخل في الشئو الداخلية الألمانية. ولتعزيز السيطرة البروسية, فقد انضمت بروسيا إمارت شمال ألمانيا الأخرى لتكوين ما سمي "بالاتحاد الألماني الشمالي" في عام 1867, وترأسه فيلهلم الأول وشغل بسمارك فيه منصب المستشار. ومنذ هذه النقطة بدأ ما يسميه المؤرخون "بؤس النمسا", والتي شكلت فيه النمسا دولة ضئيلة بالنسبة لجارتها المتفوقة ألمانيا, وظلت هذه العلاقة بين النمسا وألمانيا حتى أثناء الحربين العالميتين.

أكسب النصر العسكري دعما سياسيا ضخما لبسمارك في بروسيا. ففي انتخابات مجلس النواب في عام 1866 تكبد الليبراليون خسارة فادحة, حيث خسروا أغلبيتهم الكبيرة. وكان البرلمان الجديد المكون في أغلبيته من المحافظين يمثل ظلا لبسمارك, فقد وافق بطلب منه على الميزانية التي رفضت في الأعوام الأربع السابقة, ونفذت رغم ذلك. ومنذ ذلك الوقت وبسمارك يعتبر واحدا من أبرز السياسيين في التاريخ.

وبعد حرب عام 1866 ضم بسمارك مملكة هانوفر التي تحالفت مع النمسا ضد بروسيا. وقد سعى الملك المعزول جورج الرابع ملك هانوفر إلى التوصل إلى اتفاق يمنحه الحق بالاحتفاظ بنصف ممتلكات التاج, ويكون النصف الآخر ملك للدولة ثم يتحول إلى مكتسبات وطنية. لكن بسمارك اتهمه بالتخطيط للانقلاب ضد الدولة وقلص نصيبه من ممتلكات التاج إلى 16 بالمائة وكان ذلك في ربيع عام 1868. وقد استخدم بسمارك هذا المال لإنشاء صندوق سري (عرف بصندوق المخبرين الوقحين), والذي استخدمه لرشوة الصحفيين ولتشويه سمعة خصومه السياسيين. واستخدم هذه الأموال في عام 1870 لكسب تأييد الملك لودفيج الثاني ملك بافاريا لجعل فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا.

واستخدم بسمارك هذه الأموال أيضا لزرع المخبرين داخل حاشية قصر ولي العهد الأمير فريدريش والأميرة فيكتوريا, وفي بث الأخبار الملفقة في الصحف تتهم الاثنين بأنهما عميلين بريطانيين يشيان بأخبار الدولة إلى الحكومة البريطانية. وكان فريدريش وفيكتوريا معجبان بالأمير ألبرت أمير ساكسكوبورج وجوتا, وكان يخططان للحكم كرفيفين مثل ألبرت والملكة فيكتوريا, ولإعادة تنظيم السلطة التنفيذية التي كان بسمارك يهدف للسيطرة عليها. وكان مكتب المستشار المسئول أمام الملك سيستبدل بوزارة على الطريقة البريطانية, مكونة من وزراء يكونون مسئولين أمام الرايخستاج. وكانت سياسة الحكومة ستكون معتدمة على إجماع الوزراء.

وفيما بعد حين اعتلى فيلهلم الثاني العرش خطط بسمارك لتشويه سمعة والديه لفصله عنهما, ولوضعه تحت سيطرته. وكان ينوي استخدامه كسلاح ضد والديه لكي يحتفظ بقوته الخاصة. كما كان بسمارك سيدرب فيلهلم ليتمرد عليمها وسيعلمه أن يكون عاصيا لهما. ونتيجة لذلك نشأت علاقة غير طبيعية لفيلهلم مع والده وخاصة مع أمه. وفي عام 1892 بعد عزل بسمارك, أوقف القيصر فيلهلم الثاني هذا الصندوق وفساده بالتخلي عن دفع الرواتب الإضافية في الميزانية الرسمية.
تأسيس الإمبراطورية الألمانية

بسمارك أصبح مستشار ألمانيا في 1871

أدى انتصار بروسيا على النمسا إلى زيادة التوتر بينها وبين فرنسا. وكان الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث يخشى من أن قوة ألمانيا ستؤدي إلى قلب ميزان القوى في أوروبا. ولم يكن بسمارك في الوقت نفسه يخشى من خوض حرب ضد فرنسا, فقد كان يؤمن أن الحرب معها ستؤدي إلى توحيد الإمارات الألمانية خلف قيادة ملك بروسيا.

ولم ينقص لإشعال هذه الحرب إلا شرارة صغيرة. وقد حدث, ففي عام 1870 عرض على الأمير ليوبولد أمير هوهنتسولرن وزيجمارينجن أن يعتلي العرش الإسباني, الذي كان قد شغر منذ ثورة عام 1868 في إسبانيا. عارضت فرنسا الترشيح وطالبت بضمانات لكى لا يعتلي أحد من آل هونتسولرن العرش الإسباني. ولدفع فرنسا إلى إعلان الحرب على بروسيا, تعمد بسمارك في الرابع عشر من يوليو (وهو يوم الباستيل العيد القومي للفرنسيين) نشر الحوار بين الملك فيلهلم والسفير الفرنسي في بروسيا الكونت بنيديتي, بطريقة مهينة لفرنسا.

حشدت فرنسا جيوشها وأعلنت الحرب في التاسع عشر من يوليو (أي بعد خمسة أيام). فبدت بمظهر المعتدي أمام الأمراء والملوك الألمان, فاندفعوا بنداء الوطنية والقومية إلى الاتحاد والتحالف مع بروسيا. حتى أن عائلة بسمارك دفعت بابنيها للاشتراك في سلاح الفرسان. وكانت الحرب الفرنسية البروسية في عام 1870 نصرا كبيرا لبروسيا. وتوالت انتصارات الجيش الألماني بقيادة الصقر هيلموت فون مولتكه انتصارا بعد انتصار. ووقعت المعارك الرئيسية في شهر واحد (بين 7 أغسطس و 1 سبتمبر), وهزمت فرنسا فيها كلها.

وأبرز ما ميز هذه الحرب هو التنظيم البارع على الجانب البروسي والاضطراب الكبير على الجانب البروسي. وفي النهاية اضطرت فرنسا إلى التنازل عن الإلزاس وجزء من اللورين, لأن مولتكه وجنرالاته كانوا يصرون على وضع فرنسا موضع الدفاع. وقد عارض بسمارك هذا الضم لأنه لم يكن يريد أن يجعل من فرنسا عدوا دائما.

حفل تتويج فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا الموحدة

وبعد انتهاء الحرب تحرك بسمارك لتأمين الطريق نحو اتحاد ألمانيا. فتفاوض مع ممثلين عن الولايات الألمانية الجنوبية, عارضا تنازلات خاصة لضمان موافقتهم على الاتحاد. ونجحت المفاوضات, فأعلن الملك فيلهلم الأول إمبراطورا لألمانيا في الثامن عشر من يناير عام 1871 في قاعة المرايا في قصر فرساي (للإمعان في إهانة فرنسا). وكانت الإمبراطورية الجديدة اتحادية تتكون من 25 ولاية (بما فيها الممالك والدوقيات الكبيرة والدوقيات والإمارت والمدن الحرة) والتي احتفظ كل منها ببعض السلطة. ولم يكن ملك بروسيا, كإمبراطور لألمانيا حاكما مطلقا على بقية ألمانيا بل كان كما أطلق عليه "الأول بين متناظرين". ولكنه كان يرأس البوندستاج الذي يجتمع لمناقشة السياسة المقدمة من المستشار (الذي يعينه الرئيس الذي هو الإمبراطور).

وفي سنواته الأخيرة ادعى بسمارك أن حروب بروسيا ضد النمسا وفرنسا إنما نشبت عن طريق تلاعبه بالإمارات المحيطة وفقا لخطته الكبيرة. وكانت هذه الرؤية مقبولة بين المعاصرين والمؤرخين حتى عقد الخمسينيات من القرن العشرين. وبالرغم من ذلك فقد بنيت هذه الرؤية على مذكرات بسمارك التي كتبها بعد عزله, والتي يضع نفسه فيها في مقدمة الأحداث. غير أن فكرة سيطرة وتحكم بسمارك في الأحداث الكبرى قد شكك فيها بعض المؤرخين ومن بينهم الجدلي أ. تايلور, التي خالف كل التفسيرات السابقة عليه بقوله أن بسمارك كان "قائدا هشا ذا سيطرة ضئيلة على الأحداث". ويرى كذلك أن موهبة بسمارك الكبرى كسياسي هي موهبته في طريقة ردود أفعاله على الأحداث حين وقوعها, وتحويلها إلى ميزة في صالحه.
مستشار الإمبراطورية الألمانية

بسمارك مستشارا لألمانيا

في عام 1871 منح بسمارك لقب "أمير فون بسمارك". وعين في نفس السنة مستشارا للإمبراطورية الألمانية الناشئة, بجانب احتفاظه بمناصبه في مملكة بروسيا كرئيس للوزراء ووزير للخارجية. وبذلك فقد كان بسمارك على درجة عالية من النفوذ والسيطرة على الشئون الداخلية والخارجية لألمانيا. وقد حدث في عام 1873 أن عزل بسمارك عن منصب رئيس الوزراء وعين مكانه ألبريشت فون رون, غير أن ذلك لم يدم طويلا فما لبث فون رون أن استقال لأسباب مرضية. وعاد بسمارك مرة أخرى ليكون رئيس للوزراء في بروسيا.

في السنوات التالية كانت أحد أهم أهداف بسمارك داخليا هو الحد من تأثير الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا. وربما كان ذلك بسبب خوف بسمارك من تأثير البابوات على المسحيين الكاثوليك الألمان واستخدامهم لفكرة عصمتهم في تحريك أتباعهم وجهة سياسية معينة, وخلق عدم استقرار عن طريق دق أسافين بين الكاثوليك والبروتستانت.

وقد حاول بسمارك دون نجاح أن يتوصل إلى تفاهم مع الحكومات الأوروبية الأخرى حين كانت هناك انتخابات بابوية جديدة في الفاتيكان. فالحكومات الأوروبية كانت ستوافق على مرشحين غير مناسبين, وسيدفعون كاردينالاتهم إلى اختيار بابا جديد غير مؤمن بفكرة التعايش بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا. وكانت بروسيا فيما عدا منطقة الراين أغلبيتها من البروتستانت, لكن كان هناك الكثير من الكاثوليك يسكنون في الولايات الجنوبية وخصوصا بافاريا. وبوجه عام فقد كان ثلث الألمان من الكاثوليك. وكان بسمارك يعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية تحوز سلطة سياسية أكبر مما ينبغي, وكان قلقا أيضا من تكوين الحزب المركزي الكاثوليكي (وقد حدث هذا في عام 1870).

وعلى هذا فقد بدأت حملة معادية للكاثوليكية معروفة باسم "الحرب الثقافية". فألغي القسم الكاثوليكي لوزارة الثقافة البروسية. وطرد اليسوعيون من ألمانيا في عام 1872. وقام بسمارك بدعم اللوثرية والكنائس المعادية للكاثوليكية الرومانية القديمة. وسنت في عام 1873 قوانين عديدة معادية للكاثوليكية الرومانية, فسمحت للحكومة الإشراف على تعليم رجال الدين الكاثوليك الرومان, وقللت من السلطات التأديبية للكنيسة. واشترطت مراسم مدنية لحفلات الزواج, التي تؤدى في الكنائس. لكن هذه الكنائس زادت من قوة الحزب المركزي الكاثوليكي, وتخلى بسمارك عن حملة "الحرب الثقافية" في عام 1878. ومات البابا بيوس في نفس العام وحل محله البابا ليو الثالث عشر الذي كان أكثر واقعية من سلفه.

وخرج بسمارك من هذه الحملة بكسب حليف جديد هو حزب الأحرار الوطني العلماني, الذي أصبح حليفا رئيسيا له في الرايخستاج. لكن في عام 1873 دخلت ألمانيا ومعظم دول أوروبا فترة "الكساد الطويل" حين انهارت سوق الأوراق المالية في فيينا, وعرفت هذه الأزمة بأزمة المؤسسين Gründerkrise. وهو الكساد الذي ضرب الاقتصاد الألماني للمرة الأولى منذ التنمية الصناعية الواسعة في الخمسينات بعد ثورة عام 1848.

ولمساعدة الصناعات المتعثرة أصدر بسمارك قرارات بإلغاء التجارة الحرة وفرض تعريفات وقائية, أضعفت الأحرار الوطنيين الذين كانوا ينادون بالتجارة الحرة والذين كان بسمارك يدعمهم منذ حملة "الحرب الثقافية". وهكذا انتهت الصلة بين بسمارك وبين الأحرار الوطنيين في عام 1879 تقريبا. وعاد بسمارك لطلب الدعم وإنشاء الصلات مع القوى المحافظة ومن بينها الحزب المركزي الكاثوليكي.

وللحؤول دون دقوع مشاكل عنصرية بين الأقليات المختلفة مثل المجريين والنمساويين والفرنسيين, شرع بسمارك في محاولة "ألمنة" هؤلاء الذين كانوا يقطنون المناطق الحدودية الألمانية, مثل الدنماركيين في الشمال والفرنسيين في الإلزاس واللورين والبولندينن في الشرق.

ونهج بسمارك تجاه البولنديين سياسة عدائية مما ساعد ازدياد الإحساس بالتمييز القومي بين البولنديين والألمان, مما أدى إلى توتر العلاقة النفسية بينهم. وكانت فكرة بسمارك في هذا هو اعتقاده بأن الوجود البولندي في ألمانيا يمثل تهديدا للدولة الألمانية الوليدة.

وكانت من الأمور التي تثير قلق بسمارك هو ازدياد شعبية الحركة الاشتراكية في ألمانيا وانتشار أنصارها. فقرر في عام 1878 سن قوانين مناهضة الاشتراكيين. فمنعت التنظيمات والاجتماعات الاشتراكية, كما اعتقل الاشتراكيين وحوكموا في محاكم بوليسية. لكن على الرغم من ذلك فقد استمرت شعبية الاشتركيين بالتزايد, فنجحوا في الفوز بمقاعد لا بأس بها في الرايخستاج, حين رشحوا أنفسهم مرشحين مستقلين غير معلنين تبعيتهم لأي حزب, وهو ما كان يسمح به الدستور الألماني وقت ذاك.

فاتجه بسمارك إلى استخدام مبدأ "حارب عدوك بسلاحه", فشرع في التحول إلى الاشتراكية لمحاولة استرضاء الشعب وكسب تأييد الطبقة العاملة التي تمثل أغلبية الشعب الألماني. فشرع في سن قوانين تهدف إلى الإصلاح الاجتماعي, والتي تعتبر أولى القوانين الاشتراكية في أوروبا. ومن تلك القوانين التأمين الصحي على العمال في سنة 1883, التي تنص على أن يدفع العامل ثلثي مبلغ التأمين ورب العمل الثلث الباقي. ثم أضيفت قوانين التأمين ضد الحوادث في عام 1884 ومعاشات التقاعد والتأمين ضد العجز الجسدي عن العمل في عام 1889. كما حددت القوانين شروط عمل النساء والأطفال ونظمته إلى حد كبير. وبرغم هذه القوانين إلا أن الطبقة العاملة بقيت غير راضية عن حكومة بسمارك المحافظة.
السياسة الخارجية

هدف رئيسي لبسمارك كان منع القوى العظمى الأخرى من التحالف مع فرنسا.

كرس بسمارك جهوده السياسية للإبقاء على استقرار أوروبا السياسي, لضمان عدم تهديد بروسيا من أي قوة كانت. ولأنه أجبر على إبقاء روح التنافس والانتقام مع فرنسا منذ الحرب الأخيرة بينهما (الحرب الفرنسية البروسية), فقد عمل على تنفيذ سياسة تهدف إلى عزل فرنسا سياسيا, بينما أبقى على العلاقات الودية بين بروسيا وبقية الدول والممالك الأوروبية. ولتجنب الدخول مع المملكة المتحدة في تنافس على السيطرة فقد تنازل عن الطموح نحو إمبراطورية استعمارية ورفض توسيع الأسطول والجيش الألماني. وفي عام 1872 عرض الصداقة على الإمبراطورية النمساوية المجرية وكذلك على بروسيا, اللتين انضم إمبراطوراهما إلى فيلهلم الثاني في تحالف عرف بتحالف الأباطرة الثلاث Dreikaiserbund. كما حافظ بسمارك على علاقات جيدة مع إيطاليا.

لكن بعد انتصار روسيا على الدولة العثمانية في الحرب الروسية التركية (1877- 1878), قام بسمارك في الاشتراك في المفاوضات التي جرت في مؤتمر برلين عام 1878, وقد أثمرت المفاوضات عن معاهدة برلين التي قللت من المزايا التي اكتسبتها روسيا في جنوب شرق أوروبا. عارض بسمارك وزعماء أوروبيون آخرون نمو النفوذ الروسي, وحاولوا لذلك حماية الإمبراطورية العثمانية وإقامة علاقات أكثر ودا معها. ونتيجة لذلك فقد أصاب العلاقة بين روسيا وألمانيا شرخ كبير. وقد اتهم الأمير الروسي جورتشاكوف بسمارك بالتقليل من هيبة الأمة الروسية. وقد ازداد الشرخ بينهما اتساعا بسبب السياسات الوقائية الألمانية. وحين حلت حلف الأباطرة الثلاث, حاول بسمارك إنشاء تحالف ثنائي مع النمسا والمجر. وقد أصبح الحلف ثلاثيا بانضمام إيطاليا. وباءت كل محاولات الصلح بين ألمانيا وروسيا بالفشل.

في بادئ الأمر كان بسمارك معارضا لفكرة التوسع الاستعماري, محتجا بفكرة أن تكاليف احتلال مستعمرة والدفاع عنها ستتجاوز فوائدها. غير أن الرأي العام في أواخر عقد السبعينيات من القرن التاسع عشر كان مع الحصول على مستعمرات وأراض جديدة. في الوقت الذي تسابقت فيه الدول الأوروبية في الحصول على مستعمرات جديدة (فيما عرف بفترة الإمبريالية الجديدة). وخلال أوائل الثمانينيات انضمت ألمانيا إلى الدول الأوروبية المتنافسة على الوجود الاستعماري في أفريقيا. وكانت من بين المستعمرات الألمانية في أفريقيا: توجولاند (وهي حاليا جزء غانا وتوجو), و[[[الكامرون]] ..أفريقيا الشرقية الألمانية (حاليا رواندا وبوروندي وتنزانيا), وجنوب شرق أفريقيا الألمانية (حاليا ناميبيا). وفي مؤتمر برلين (1884-1885) اتفقت الدول المؤتمرة على وضع عدة قواعد لتنظيم الاستعمار في إفريقيا, واتفق على أن تكون هناك منطقة تجارة حرة في أجزاء معينة من منطقة حوض الكونغو.

وخلال الأزمة البلغارية ألقى بسمارك خطابا في الرايخستاج حول أخطار حرب أوروبية. وحذر من أن احتمالية أن تحارب ألمانيا على جبهتين, وتحدث عن رغبته في السلام ثم عرض الأزمة في البلقان ووصف الحرب المحتملة بالعقيمة: بلغاريا, هذا البلد الصغير الواقع بين نهر الدانوب والبلقان, بعيد عن أن يكون ذا أهمية كافية...ولأي سبب يتم الزج بأوربا من موسكو حتى جبال البرانس ومن بحر الشمال حتى باليرمو في أتون حرب لا يعلم مداها أحد. وفي نهاية اصراع يجب علينا ان نعلم بصدق لماذا بدأنا القتال.
الاستقالة


في عام 1888 مات الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول تاركا العرش لابنه فريدريش الثالث. لكن العاهل الجديد كان مصابا بالسرطان وأنفق الثلاثة شهور فترة حكمه في صراع معه قبل أن يموت. فحل محله ابنه فيلهلم الثاني. وكان الإمبراطور الجديد معارضا لسياسة بسمارك الخارجية الحذرة والمترددة في التصرف., وكان يطمح نحو توسع سريع وقوي لحماية مكانة ألمانيا في العالم.

وسرعان ما أفسدت الخلافات بين فيلهلم الثاني ومستشاره جو العلاقة بينهما. وقد اعتقد بسمارك ان بإمكانه السيطرة على فيلهلم, فأبدى احتراما قليلا لسياساته في أواخر العقد الثامن. وقد حدث الشرخ النهائي بعد أن حاول بمسارك تنفيذ قوانين مكافحة الاشتراكيين في بداية عام 1890. وكانت الأغلبية البرلمانية المكونة من حزب المحافظين والحزب الليبرالي القومي على استعداد لتمديد مدة العمل بالقانون.

ولكن الخلاف حدث بشأن سماح القانون لقوات الشرطة بنفي الاشتراكيين من بلداتهم, وهي سلطة كانت تستخدم لقمع الخصوم السياسيين. ورفض الحزب الليبرالي القومي الموافقة على هذا الجزء من القانون, في حين ساند المحافظون فقط القانون إذا تم تعديله, وهددوا بعدم الموافقة على القانون لأن بسمارك لم يمنح موافقته على تعديل القانون.

وحين استمر الجدل ازداد اهتمام فيلهلم بالقضايا الاشتراكية, وخاصة معاملة عمال المناجم الذين أعلنوا إضرابهم في عام 1889, واستمر في تنفيذ سياسته النشطة في الحكومة, وكان دائما ما يقاطع بسمارك في المجلس لكي يوضح سياسته الاشتراكية. عارض بسمارك بحدة سياسة فيلهلم وعمل على تجاهلها. ورغم أن فيلهلم دعم مكافحة الاشتراكيين المعدل, حاول بسمارك دفعه إلى عدم الموافقة على هذا التعديل كلية. ولكن حين لم تنجح حجج بسمارك في إقناع بسمارك لم يستطع التحكم في أعصابه واندفع يفصح لفيلهلم رغبته في تأجيج الصراع مع الاشتراكيين, لكي يتخذ ذلك حجة للقضاء عليهم وتحطيمهم. فأجابه فيلهلم بأنه لا يريد بدء فتره حكمه بمعركة دموية ضد رعاياه. وحين أدرك بسمارك الحماقة التي ارتكبها حاول التوصل مع فيلهلم إلى حل وسط, فوافق على سياسته الاشتراكية تجاه عمال الصناعة, بل وقترح أيضا تكوين مجلس أوروبي لمناقشة ظروف العمل يرأسه الإمبراطور الألماني.

ورغم هذا فقد أدت سلسلة الأحداث إلى زيادة الهوة بين فيلهلم وبسمارك. وشعر بسمارك بكراهية الإمبراطور وعدم تقديره له وبمحاولة مستشارية تشويه صورته لديه, فرفض التوقيع مع فيلهلم على إعلان لحماية حقوق العمال, كما كان يشترط الدستور الألماني, وقد أظهر ذلك مدى استياء بسمارك من تدخل الإمبراطور المتزايد في سلطات بسمارك الغير محدودة. وقد عمل بسمارك من خلف الكواليس على تحطيم مجلس العمل لعالمي الذي كان فيلهلم يعتز به أيما اعتزاز.

وكانت آخر فصول الخلاف حين حاول بسمارك تكوين أغلبية برلمانية جديدة, فصوتت كتلته بالموافقة على قانون الاشتراكيين. أما القوى الأخري في الرايخستاج فكانت الحزب المركزي الكاثوليكي وحزب المحافظين. أراد بسمارك تشكيل تحالف جديد مع الحزب المركزي, ودعى لودفيج فيندهورست الزعيم البرلماني إلى مناقشة إمكانية التخالف بينهما. وكانت هذه آخر مناورات بسمارك السياسية. وغضب فيلهلم لدى سماعة خبر زيارة بسمارك لفيندهورست. في دولة برلمانية يمتلك رئيس الحكومة معتمدا على الثقة التي منحهته إياها الأغلبية البرلمانية في تكوين تحالفات سياسية لدعم قرارته. أما في ألمانيا فالمستشار كان معتمدا على ثقة الإمبراطور وحده, وكان فيلهلم يعتقد بأن لديه الحق في ان يتم إبلاغه بلقاء رئيس وزرائه قبل حدوثه. وهنا انفجر فيلهلم بالغضب بعد أن أدرك استهانة بسمارك به كإمبراطور.

وللمرة الأولى أجبر بسمارك على كتابة استقالته, شجب فيها تدخل فيلهلم في الشؤون الداخلية والخارجية, ولم تنشر هذه الاستقالة إلا بعد وفاة بسمارك. وهكذا سقط بسمارك ضحية لإمبراطور صنع هو إمبراطوريته بنفسه, وأدرك أن قرار العزل على وشك الصدور.

"التخلص من القبطان"

اضطر بسمارك إلى تقديم استقالته بعد إصرار فيلهلم الثاني في عام 1890, عن عمر يناهز الخامسة والسبعين, ليخلفه في مستشارية ألمانيا ورئاسة الوزراء في بروسيا ليو فون كابريفي. لقد طرح بسمارك مثل ورقة لعب, وأعطي لقبا جديدا وهو "دوق فون لاوْنبورج", وبدأ فترة تقاعده الهادئة في ضيعته في فارتسين (الواقعة حاليا في بولندا). وانتقل بعد شهر من وفاة زوجته في 27 نوفمبر 1894 إلى فريدريشسروهه بالقرب من هامبورج, منتظرا بلا جدوى خطاب استدعائه للخدمة مرة أخرى. وبمجرد خروجه من السلطة بدأ المواطنون في تمجيده, فجمعوا الأموال لبناء النصب التذكارية تخليدا له. وقد كان شهرته الواسعة في ألمانيا, فسميت العديد من المباني باسمه, وألفت الكتب عنه وحققت نجاحا كبيرا, ورسمه الكثير من الرسامين ومن بينهم فرانتس فون لينباخ وألرز.

النهاية

أنفق بسمارك سنواته الأخيرة في جمع مذكراته المعنونة "أفكار وذكريات". مات في 30 يوليو عام 1898 عن عمر ناهز الثالثة والثمانين عاما في فريدريشسروهه, حيث دفن في ضريحه المسمى ضريح بسمارك. وقد نقش على شاهد قبره الرخامي "الخادم الألماني المخلص للقيصر فيلهلم الأول".

كليوبترا السابعه

كليوباترا السابعه 
اخر ملكه فرعونيه بمصر
(  69 ق.م - 30 ق.م)


كليوباترا السابعة (باليونانية:Κλεοπάτρα Φιλοπάτωρ) (يناير 69 ق.م - 30 قبل الميلاد) ملكة مصر، الشهيرة في التاريخ والدراما بعلاقتها بيوليوس قيصر ثم ماركوس أنطونيوس ووالدة بطليموس الخامس عشر (قيصرون).

أصبحت ملكة عند وفاة والدها بطليموس الثاني عشر، في العام 51 قبل الميلاد وحكمت تباعا مع شقيقاها بطليموس الثالث عشر وبطليموس الرابع عشر(..،67) وابنها بطليموس الخامس عشر قيصرون بعد انتصار جيوش الروم أوكتافيان (الامبراطور أوغسطس الجديد فيما بعد) على قواتها المشتركة، انتحرت كليوباترا وكذلك فعل أنطونيوس، ووقعت مصر تحت سيطره الرومان. 

حياتها وحكمها

ولدت العام 69 قبل الميلاد، وصفت كليوباترا بأنها أثرت بنشاط على السياسة الرومانية في فترة حرجة، كما وصفت بأنها جاءت لتمثل، كما لم تفعل اي امرأة أخرى من العصور القديمة، النموذج الأول لرومانسية المرأة الفاتنة.

هي ابنة الملك بطليموس الثاني عشر "أوليتيس "، وكان قد قدر لكليوباترا في أن تصبح آخر ملكة للسلالة البطلمية التي حكمت مصر بعد موت الاسكندر الأكبر في 323 قبل الميلاد وضمها إلى روما في 30 قبل الميلاد.الأسرة البطلمية


أسس السلالة ضابط الأسكندر بطليموس، الذي أصبح الملك بطليموس الأول حاكم مصر. كانت كليوباترا من السلالة البطلمية، فانها ولأسباب سياسية أطلقت علي نفسها لقب "ايزيس الجديدة " وهو لقب ميزها عن الملكة كليوباتراالثالثة، والتي زعمت أيضا انها تجسيد حي للآلهة ايزيس.

عندما توفي بطليموس الثاني عشر في 51 قبل الميلاد، انتقل العرش إلى ابنه الصغير، بطليموس الثالث عشر، وابنته كليوباترا السابعة.

ومن المعروف أن كليوباترا ابنة الـ 18عامًا كانت تكبر شقيقها بنحو ثماني سنوات، فأصبحت هي الحاكم المهيمن. الدلائل تشير إلى ان المرسوم الأول الذي فيه اسم بطليموس يسبق لكليوباترا كان في أكتوبر العام 50 قبل الميلاد.

أدركت كليوباترا انها في حاجة لدعم الرومان، أو بشكل أكثر تحديدا دعم قيصر، إذا كان عليها استعادة العرش.

كليوباترا ويوليوس قيصر

نحت للملكة كليوبترا وابنها قيصرون في معبد دندرة

يقول المؤرخون أن كلا من كليوباترا وقيصر سعيا لاستخدام الآخر، فقيصر سعى للمال لتسديد الديون التي تكبدها من والد كليوباترا اوليتيس، من اجل الاحتفاظ بالعرش. في حين أن كليوباترا كانت عازمة على الاحتفاظ بعرشها، واذا أمكن استعادة أمجاد البطالمة الأوائل واسترداد أكبر قدر ممكن من سطوتهم، والتي شملت سوريا وفلسطين وقبرص. وتوطدت أواصر العلاقة بينهما وولدت له بعد رحيله طفلا أسمته بطليموس قيصر أو بطليموس الخامس عشر (وأطلق عليه الاسكندريون اسم التصغير قيصرون Kaisarion).

تكوينها لجيش ومواجهتها لأخيها

وقع الملك بطليموس الثالث عشر تحت تأثير مستشاريه الذين عملوا على ابعاد كليوباترا وطردها من الإسكندرية للانفراد بالسلطة, فلجأت إلى شرقي مصر واستطاعت تجنيد جيش من البدو لاستعادة موقعها. عند وصولها إلى بيلوزيوم (بور سعيد حاليا) حيث كان يتصدى لها جيش أخيها, وصلت سفينة القائد الروماني بومبي (Pompeius) على اثر هزيمته في معركة فرسالوس (48 ق.م), فما كان من أوصياء الملك الاّ أن دبّروا مقتله, وقدّموا رأسه إلى القائد المنتصر يوليوس قيصر الذي وصل الإسكندرية في 2 أكتوبر عام 48 ق.م. وقد نجحت كليوباترا في اختراق صفوف خصومها بعد أن حاول أخيها بطليموس الثالث عشر التقرب إلى القيصر حيث وجدها فرصة لاعلان ولائه الكامل, وعمل قدر طاقته على تملّقه والتقرب اليه, هكذا بدأت علاقة تاريخية بين قيصر وكليوباترا في القصر الملكي, فقد قرر الوقوف إلى جانبها واعادتها إلى عرش مصر. لكن أوصياء أخيها حرّضوا جماهير الإسكندرية ضد كليوباترا, وزحف الجيش الموالي لهم وحاصروا قيصر وكليوباترا في القصر الملكي, فبدأت حرب الإسكندرية التي حسمها يوليوس قيصر في مطلع عام 47 ق.م بعد أن وصلته النجدات وانتهت بمقتل الملك بطليموس الثالث عشر وأعوانه, وتسلمّت كليوباترا عرش مصر مع أخيها الاصغر بطليموس الرابع عشر وبقي قيصر إلى جانبها ثلاثة أشهر.

كليوباترا وماركوس أنطونيوس
مارك أنطونيو أحد أعضاء الحكومة الثلاثية بروما مع أوكتافيوس القيصر وأميليوس ليبيدس, أهمل واجباته العسكرية بعد أن أنشغل بملكة مصر كليوباترا، حيث تجاهل مشاكل روما الوطنية، بما فيها حقيقة أن زوجته فلوفيا, ثارت على أوكتافيوس ثم ماتت.

دعى أوكتافيوس أنطونيو للعودة من الأسكندرية إلى روما لمساعدته ضد البومباي، منيكراتس وميناس ثلاثة قراصنة ب البحر المتوسط ذوي سمعة رديئة, وفي الأسكندرية تتوسل كليوباترا لأنطونيو ألا يذهب, وتعتبر أنه بهذه الطريقة يثبت حبه لها ،ولكن في النهاية يغادر.

بالعودة إلى روما، أجريبا يعيد فكرة أن أنطونيو يجب أن يتزوج من أخت أوكتافيوس القيصر، أوكتافيا, لتقوية العلاقات بين الرجلين، أحد قادة أنطونيو ويدعى أنوباربس.بالرغم من ذلك ،يعلم أن أوكتافيا لن ترضيه أبداً بعد كليوباترا، وفي عبارة شهيرة يصف فتنة وجمال كليوباترا بعبارات مثل "العمر لا يمكن أن يذبل جمالها".

تتنبأ عرافة لأنطونيو أنه سيخسر إن حارب أوكتافيوس.

في مصر، تعلم كليوباترا بزواج أنطونيو وتوقع غضبها العارم على الرسول الذي بعث إليها بالرسالة, ولكن تنتابها السعادة عندما تعلم بأوصاف أوكتافيا الدميمة من حاشيتها.

في أحد المواجهات، الحكومة الثلاثية تساوم البومباي، وتعرض عليه هدنة حيث يمكنة الأحتفا ب سردينيا وصقلية، ولكن عليه مساعدتهم في تخليص البحر من القراصنة ويرسل لهم ضريبة ثقيلة, وبعد تردد شديد يوافق بومباي، ويقام أحتفال صاخب على سفينة بومباي، يغري ميناس بومباي بفكرة أنه إن قتل القادة الثلاثة سيصبح قائداً لروما، ولكنه يرفض ذلك ويجد أن هذه الفعلة ضد الشرف ،ولكن سرعان ما ينقض أوكتافيس ولابيدوس الهدنة ويشنوا حربا على بومباي، كانت هذه الحرب ضد إرادة أنطونيو الذي أستشاط غضبه.

يعود أنطونيو إلى مصر ويتوج نفسه مع كليوباترا كملوك مصر، والثلث الشرقي من إمبراطورية روما حيث كانت هذه المقاطعة نصيب أنطونيو من الحكم الثلاثي، أتهم أوكتافيوس أنه لم يعطيه حصته الكافية من أرض بومباي وغضب لأن لبيدوس "الذي كان قد سجن من قبل أوكتافيوس" خرج من السجن وولج من الحكم الثلاثي, وافق أوكتافيوس على طلباته، ولكن من ناحية أخرى لم يكن مسرورا مما فعله أنطونيو.

أستعد أنطونيوا لمحاربة أوكتافيوس، أنوباربس مساعده يحضه على القتال في اليابسة، حيث تكون الغلبة له، بدلا من قتال البحار حيث أن أسطول أوكتافيوس أقوى، ولكن أنطونيو يرفض بما أن أوكتافيوس تحداه على قتاله بالبحر, كليوباترا تأمر بأسطولها ليكون رهن إشارة أنطونيو، مع ذلك. في وسط المعركة أسطول كليوبترا بالستون سفينة، وأنطونيو يتبعها، يترك جيشه ليهزم، ويلاحقه العار بما فعله به حب كليوبارتا، يلومها أنطونيو بشدة لأنها جعلت منه جباناً, ولكنه يضع في النهاية هذا الحب فوق كل شيء بقوله " أعطيني قبلة ; ويفي هذا بكل شيء."

يرسل أوكتافيوس رسوله لكليوبترا ليحثها على تسليم أنطونيو والانضمام لجانبه, تتردد وعبث بالرسول, يدخل أنطونيو ويشجب ما فعلته، ويرسل الرسول للجلد، وفي النهاية يسامح كليوباترا, ويتعهد بخوض معركة أخرى من أجلها، لكن هذه المرة عل اليابسة.

في مساء المعركة يسمع جنود أنطونيو أصوات إعجازية غريبة, حيث فسروها بأنها الإله هرقل يتنحى عن حماية أنطونيو، أبعد من ذلك، قائد أنطنيو الذي هدمه لمدة طويلة يهجره ويذهب إلى جانب أوكتافيوس، بالإضافة إلى مصادرته لأشياء أنوباربس، والتي لم يأخذها معه عند الذهاب لأوكتافيوس, يأمر أنطونيو بالأشياء أن تذهب لأنوباربس مرة أخرى، ويمتن أنوربابس لكرم سيده.ويخجل من عدم إخلاصه, ويموت بقلب منكسر.

تسير المعركة لصالح أنطونيو حيث أنطلقت من اليابسة، إلى أن قلبها أوكتافيوس لصراع بحري مرة أخرى، ويخسر أنطونيو عندما ينضم أسطول كليوباترا إلى جانب أوكتافيوس ويحاصره. ويشجب كليوبارت بقوله " هذه المصرية الحمقاء خدعتني !." ويعقد العزم على قتلها لخيانتها له، تقرر كليوباترا أن الطريقة الوحيدة لإستعادة حبه مرة أخرى هي أن تبعث له رسالة فحواها أنها ستنتحر. لتموت واسمه عل شفتيها, تحبس نفسها في مكان وتنتظر عودة أنطونيو.

ولكن خطتها تفشل وبدلا من أن يعود لها نادما يقرر أنطونيو أن حياته لا تُستحق، لذلك يأمر أحد مساعديه "روس" ليحضر له سيفا ولكن آروس لم يجرؤ عل هذه الفعلة ويقتل نفسه, يعجب أنطونيو بشجاعته ويحاول فعل نفس الشيء ولكنه يفشل ويكون كل ما اكتسبه هو جرح عميق، يعلم أنطونيو أن كليوباترا ما زالت حية فيقوم بالذهاب لها في مكان عزلتها ويموت بين زراعيها.

يذهب أوكتافيوس لكليوباترا ويحاول أن يقنعها بالأستسلام ولكنها ترفض بغضب شديد, تُخان كليوباترا وتحتجز من قبل الرومان.

تقرر كليوباترا الأنتحار باستخدام سم أفعى الناشر, وتموت في هدوء، وهي تتخيل ملاقاتها لأنطونيو في الحياة الأخرى, وينتحر خادمتيها آيرس وشارميان هنا الأخرىان بنفس الطريقة، يكتشف أوكتافيوس الانتحار ويظهر مشاعر مضطربة، يتركه موت أنطونيو وكليوباترا ليكون هو أول إمبراطور روماني "أغسطس قيصر"، ولكنه يشعر ببعض التعاطف معهم حيث يقول "سوف تدفن إل جانب حبيبها أنطونيو، لا يوجد قبر على الأرض سيطوق هذين، زوجين رائعين", ويأمر بأن تكون جنازة شعبية عسكرية.
 
بعد اغتيال قيصر في روما ذلك انقسمت المملكة بين اعظم قواده اكتافيوس وانطونيوس فقرراكتافيوس أن يضم مصر إلى الامبراطورية الرومانية، لكن كان امامه الكثير من العواقب، ومن أشدها ماركوس أنطونيوس "مارك أنتوني" الذي أراد في أن ينفردبحكم الامبراطورية الرومانية، ومن ثم فكرت كليوباترا أن تصبح زوجة لماركوس أنطونيوس الذي قد يحكم في يوم ما الامبراطورية الرومانية.حيث جاء مارك انتوني الي مصر وجاءت له كليوباترا خفية لخوفها من ثورات المصريين ضدها وكان مختبأه في سجادة وخرجت منها امام انتوني كعروس البحر وهي في ابهي صورها ووقع انتوني في حبها

كان مارك انتوني متزوجا من اوكتافيا اخت أوكتافيوس(اغسطس) ومنع علي الرومان التزوج بغير رومانية وهنا ظهرت مشكله ارتباطه بكليوباترا وأصبح حليفا لها بدل من أن يضم مصر للامبراطورية الرومانية. و كان ذلك سببا في العداوة بين أغسطس وأنطونيوس لأن أوكتافيا كانت أخت أغسطس تم تقسيم الامبراطورية الرومانية إلى شرق وغرب, وكان الشرق بما فيه مصر من نصيب انطونيوس، وكان طبيعيا أن تصبح كليوباترا تحت سلطة السيد الجديد انطونيوس، فلتحاربه بسلاح الحب والجمال، ولم تنتظر حتى يأتي إليها في الإسكندرية، ولكنها أبحرت على متن سفينة فرعونية ذهبية مترفة من الشواطئ المصرية، وكان أنطونيوس قد أرسل في طلبها عام 41 ق.م عندما وصل إلى مدينة ترسوس في كيليكية، وذلك ليحاسبها على موقفها المتردد وعدم دعمها لأنصار يوليوس قيصر.

أعجبت كليوبترا بأنطونيوس ليس فقط لشكله حيث كان وسيما (على حد قول المؤرخين) لكن أيضا لذكائه لأن كل التوقعات في هذا الوقت كانت تؤكد فوز انطونيوس، من ثم أعد أنطونيوس جيشا من أقوى الجيوش وتابعت كليوباترا الجيش عن كثب وتابعت خطة الحرب.

معركة أكتيوم

جرت معركة أكتيوم البحرية الفاصلة غربي اليونان وقررت مصير الحرب. خسر أنطونيوس كثيرا من سفنه في محاولته كسر الحصار الذي ضُرب حوله, وتسارعت الأحداث وعملت كليوباترا كل ما في وسعها لتفادي الكارثة بعد وصول أنباء الهزيمة إلى مصر, وقام أنطونيوس بمحاولة يائسة للتصدي لقوات أوكتافيانوس، قيصر روما الجديد ،التي وصلت إلى مشارف الإسكندرية في صيف عام 30 ق.م, والذي وجد في انطونيوس عقبة أمام انفراده بالحكم ولكن جهوده ذهبت سدى, وعندما بلغه نبأ كاذب بموت كليوباترا فضّل الموت على الحياة.

الانتحار بدلاً من الأسر

في فجر أحد أيام منتصف أغسطس 30 ق. م قدم أحد خدام الملكة كيلوباترا ثعبان الكوبرا ((يرجح انها كوبرا مصرية)) وسيلة أنتحارها بعد أن سمعت بهزيمة زوجها القائد الرومانى مارك أنطونيوس في الحرب, كان ثعبان الكوبرا السامة قد ظل شعار للملكية في العصر البطلمى تعلو هامات الملوك, كانت اثنين من الثعابين إذا جاز لنا أن نصدق قول الشعراء الرومان فرجيل وهوراس وبروبيرتيوس Propertius وقد ذكر بعض المؤرخين أن الكتف الملكية اليسرى هي التي تلقت اللدغة الأولى القاتلة وقال آخرون أنه ثدى كليوباترا الأيسر العارى. انتحرت كليوباترا في حالة اليأس هذه بان وضعت حيه سامه على صدرها وكان الغازى الجديد أوكتافيوس قيصر يأمل أن تسير الملكة التي تحكم مصر في موكب نصرته في روما ولكنه سرعان ما وارى جثمانها وأتجه لتنظيم الحكومة, فأعلن ضمه مصر لسلطان الشعب الرومانى، وجاء أعلانه في جملة قصيرة للغاية لا تضم أكثر من خمس كلمات. بعد وفاة كليوباترا قتل الرومان ابنها قيصرون خشية ان يطالب بالامبراطورية الرومانية كوريث ليوليوس قيصر وولي عهده. صورت كيلوباترا السابعة على عملة معروضة في متحف الأسكندرية تروي قصة كليوباترا التي الهمت الشعراء وكتاب القصص. كانت مادة لمسرحية (انطونيو وكليوباترا) لوليم شكسبير ومسرحية (كل شيء من اجل الحب) 1977 لجون درايدن ومسرحية (قيصر وكليوبترا) لجورج برناردشو ومسرد شعري في انتحار كليوباترا للشاعر احمد شوقي. كانت كليوباترا السابعة آخر حكام البطالمة في مصر، وقد تفوقت على من سبقوها في الذكاء والحصافة والطموح. واعتلت كليوباترا العرش وحكمت مصر لعشرين عاما (من عام 51 إلى عام 30 ق.م). ظهرت صورة كليوباترا في العملة المصرية القديمة كامرأة ذات طلعة بهية مفعمة بالحيوية بفم رقيق وعينان صافيتان. كليوباترا احدي البارزات في التاريخ كنفرتيتي وسميراميس وشهرزاد.

نفي قصة الانتحار بلدغة الثعبان

نفى البروفسور كرستوف شايفر ((استاذ التاريخ في جامعة ترير غرب ألمانيا))واقعة وفاة كيلوباترا بلدغة ثعبان الكوبرا ورجح انها ماتت لشربها توليفة أو كوكتيلات من العقاقير واستند بما ذهب إلى ان لدغة الافعى كانت ستعرض كيلوباترا لالم شديد ومبرح وطويل قبل الوفاة بجانب التشويه الجسدي الذي كان سيلحق بها وهي المرأة الجميله والمعتزه جدا بجمالها

ابراهام لينكولن

ابراهام لينكولن 
الرئيس السادس عشر للولايات المتحده الامريكيه 
 (12 فبراير 1809 - 15 أبريل 1865)




ابراهام لينكولن (12 فبراير 1809 - 15 أبريل 1865) هو الرئيس السادس عشر للولايات الامريكية المتحدة، 1861 - 1865. انتخب رئيسا للولايات المتحدة عام 1861 فى عهده قامت الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال الصناعى و الجنوب الزراعى حول الغاء نظام الرق حيث اعتمد الشماليون على الصناعة الاليةبينما الجنوبيون يعتمدون فى الزراعة على العبيد وخاصة زراعة القطن قاد لنكولن الشماليين باعلانه قانون تحرير العبيد 1863 لتوحيد البلاد و مع رفض الجنوبيون استمرت الحرب و إلتي كانت قد بدات عام 1861 واستطاعت قوات الشمال هزيمة الجنوب بعد معارك عنيفة وأعادت وصل شمال امريكا بجنوبها مخلفة دمار هائل والعديد من القتلى. اغتيل ابراهام لنكولن فى ابريل 1865 بعد شهر من تجديد رئاسته على يد جون ويلكس بوث أحد الممثلين فى مسرحية كان يشاهدها.

بالنظر إلى أفكاره والحقبة التي عاش أحداثها ودوره في توجيه تلك الأحداث وكذلك بصمته في تأريخ الولايات المتحدة الحيث يعد ابراهام لينكولن رئيساً يحظى بقسط وافر من التعاطف مع تأريخه وإحاطته بشتى صور العضمة والإحترام عند الأمريكيين, واليوم يمكن أن تجد صورته على العملة الأمريكية فئة 5 دولار. 

بداية حياته

ولد لينكولن عام 1809 م في ولاية إيلينوي الأمريكية في أسرة فقيرة لأبوين مزارعين. و لم يحصل لينكولن على تعليم رسمي إلا أنه تمكن من تكوين ثقافة عالية من جراء قراءاته الكثيفة لأمهات الكتب الغربية.

في عام 1837، بعد أن علّم نفسه مبادئ القانون الإنجليزي والأمريكي، دخل لينكولن نقابة المحامين و افتتح مكتباً للمحاماة مع أحد معارفه، فأصبح بعد ذلك محامياً ناجحاً على مستوى إيلينوي.

و قد تزوج لينكولن أكثر من مرة، إلا أن أهم زيجاته كانت من ماري تود، التي كانت تنتمي إلى أسرة جنوبية غنية، و التي استمر زواجه بها من عام 1842 و حتى وفاته. دارين


كان لينكولن في أوائل حياته عضواً في حزب الويك (Whig Party)، الذي كان الحزب الثاني في أمريكا قبل انقراضه على يد الحزب الجمهوري، و مثّل لينكولن حزبه في المجلس التشريعي الأمريكي (الكونغرس) لمدة عامين من 1846 و حتى 1848.

اشتهر لينكولن في هذه الفترة بمعارضته الشديدة للحرب الأمريكية المكسيكية التي نشبت في ذلك الوقت، و التي اعتبرها اعتداء صارخاً من أمريكا على دولة أخرى، و اتهم رئيس أمريكا في ذلك الوقت جيمز بولك باختلاق حجة كاذبة للحرب. إلا أنه بعد انتصار أمريكا الكبير على المكسيك و ضمها لأراضي واسعة مثل تكساس و كاليفورنيا كنتيجة للحرب، فإن شعبية لينكولن قد انحدرت بشكل كبير بسبب مواقفه المعارضة لها، فانسحب من انتخابات المجلس التشريعي لعام 1848، و عاد إلى ممارسة المحاماة في أرياف إيلينوي.


كانت الولايات المتحدة في تلك الفترة مقسمة بين ولايات شمالية قد منعت الرق منذ أوائل القرن التاسع عشر و اتجهت إلى الاقتصاد الصناعي، و ولايات جنوبية يقوم اقتصادها على الزراعة المكثفة - و خصوصاً زراعة القطن - و تعتمد في ذلك على عدد كبير من العمالة المستعبدة ذات الأصول الإفريقية. و لأن الولايات المتحدة كانت قد منعت استيراد العبيد الجدد منذ عام 1808، فقد حرص سكان الولايات الجنوبية البيض على إبقاء ذراري عبيدهم في الرق بشكل أبدي.

و قد كان النظام السياسي الأمريكي قائماً قبل الحرب مع المكسيك على توازن القوى بين "الولايات الحرة" و "ولايات الرقيق"، بحيث اتفق الطرفان على إبقاء التمثيل متساوياً بين الفئتين في مجلس الشيوخ (المجلس الأعلى في الكونجرس). إلا أن احتلال الأراضي الجديدة بعد حرب المكسيك عام 1848 قد هدّد ذلك التوازن، إذ أصرّت الولايات الجنوبية على السماح بالعبودية في بعض الولايات الأراضي الجديدة حفاظاً على ذلك التوازن، بينما وقع ساسة الشمال تحت ضغط كبير من ناخبيهم الصناعيين و من الحركة المناهضة للعبودية التي نشطت في ذلك الزمن لمنع العبودية في جميع الأراضي الجديدة.

في هذه الأثناء استأنف لينكولن حياته السياسة. كان حزبه القديم، حزب الويك، يلفظ أنفاسه الأخيرة و ينضم أعضاؤه إلى أحزاب أخرى أبرزها حزب جديد سمي بالحزب الجمهوري استقطب الكثير من مناوئي العبودية في البلاد، فانضم لينكولن إلى الحزب الجمهوري عام 1854.

في عام 1858 حصل لينكولن على ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات مجلس الشيوخ لتمثيل ولاية إيلينوي، و اشتهر لينكولن في تلك الأثناء بالخطب النارية ضد مؤسسة الرقيق، و ندد بما أسماه "بقوة العبودية" التي كان يعني بها سطوة الطبقة المالكة للعبيد في البلاد و تهديدها للوحدة الوطنية من وجهة نظره. و اتّهم لينكولن من قبل خصومه على إثر ذلك بمحاباة "الزنوج" و الإيمان بالمساواة بين السود و البيض إلا أنه أنكر ذلك و أصرّ أنه لا يسعى إلى المساواة و إنما إلى إلغاء الرق فقط. و على الرغم من الشهرة التي حاز عليها في الانتخابات و ارتفاع شعبيته في أوساط الجمهوريين في الشمال، إلا أنه خسر الانتخابات أمام مرشح الحزب الديموقراطي.


اشتدت حدة الخلاف بين ولايات الشمال و الجنوب، و بين مناهضي الرق و مؤيديه، و تصعّدت المواقف مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 1860. و كثر الحديث في الجنوب قبيل الانتخابات حول ضرورة الانفصال عن الولايات المتحدة إذا أرادت الولايات الجنوبية الحفاظ على مصالحها. و في الجانب الآخر أدت شهرة لينكولن إلى ترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية كمرشح للحزب الجمهوري، الذي اعتبره مرشحاً معتدلاً في مناهضته للعبودية و في نفس الوقت مستعداً للوصول إلى تفاهم مع ولايات الجنوب.

في السادس من نوفمبر، عام 1860، أجريت الانتخابات الرئاسية، و على الرغم من عدم حصول لينكولن على أكثر من 40% من أصوات الناخبين، و على الرغم أيضاً من الانعدام شبه الكامل للأصوات المؤيدة له في ولايات الجنوب، إلا أنه نال منصب الرئاسة بسبب انقسام الأصوات الأخرى بين اثنين من المرشحين آخرين، فصار لينكولن بذلك أول رئيس للولايات المتحدة من الحزب الجمهوري، الذي لا يزال يلقب بـ"حزب لينكولن" إلى اليوم.


لم يتمكن لينكولن من القيام بردة فعل تجاه الانفصال قبل 23 فبراير من عام 1861، حينما تسلّم مهام الرئيس بشكل رسمي. و قد اضطر لينكولن إلى الذهاب إلى منصة التتويج متنكّراً خوفاً من الاغتيال. و بعد انتهاء مراسم التتويج، ألقى لينكولن خطاب تسلم الرئاسة، فأوضح فيه رأيه تجاه الانفصال و مسألة العبودية.

و قد كان لينكولن، القانوني المخضرم، يدرك أنه لا يوجد بند صريح في الدستور يمنع انفصال أي ولاية، خصوصاً و أن الاتحاد الأول تشكل بشكل طوعي بين الولايات التي أسست الدولة الاتحادية. إلا أنه رفض بشكل قاطع في خطابه فكرة الانفصال، و استند في ذلك على دستور 1776 الذي توقف العمل به عام 1789، و الذي ينص على "وحدة دائمة"، فقال لينكولن إن دستور 1789 ما جاء إلا تطويراً لما سبقه و بالتالي لم يزل بند "الوحدة الدائمة" ساري المفعول و يجب العمل به.

أما في ما يخص العبودية، فقد كان لينكولن ميالاً للمصالحة، فأوضح بشكل قاطع أن لا نية لديه لإلغاء الرق في الولايات التي يوجد الرق فيها، ثم ذهب إلى أبعد من ذلك فأعلن تأييده لمشروع تعديل الدستور لينص على تحريم إلغاء الرق في تلك الولايات "إلى الأبد". غير أنه لم يتنازل عن مسألة تحريم الرق في الولايات و الأراضي الجديدة التي حصلت عليها الدولة إثر حرب المكسيك أو أي أراضي جديدة أخرى، معللاً ذلك بأن السماح به سيكون وصفة للنزاع الدائم.
الحرب الأهلية
شتاء الإنفصال 1860–1861

صورة تظهر 4 مارس 1861، تولي ابراهام لنكولن أمام الكاپيتول الأمريكي.
المقال الرئيسي: الحرب الأهلية الأمريكية

كان الكثير من الساسة ورجالات الإعلام والمجتمع في ولايات الجنوب قد هددوا قُبيل الانتخابات بالانفصال عن الدولة في حال فوز الجمهوريين بالرئاسة. و على الرغم من أن لينكولن كان "مرشح المعتدلين" في الحزب الجمهوري، إلا أن سكان الجنوب لم يروه كذلك، فما إن تمّ إعلان فوز لينكولن حتى أعلنت ولاية ساوث كارولينا انفصالها و اتبعها في ذلك ست ولايات أخرى في أقصى الجنوب هي فلوريدا و جورجا و ألاباما و ميسيسيبي و تكساس و لويزيانا، و كونت الولايات السبع دولة جديدة سمتها "الولايات الكونفدرالية الأمريكية"، أو "الكونفدرالية" على وجه الاختصار. أما الولايات الثمانية الأخرى التي كانت تسمح بالرق، فقررت البقاء ضمن الدولة الاتحادية ريثما تتضح مواقف لينكولن بعد توليه الرئاسة، إلا أنها أصرت على عدم السماح للقوات الفيدرالية بغزو الولايات المنفصلة عن طريق أراضيها.
انطلاق الحرب الأهلية

لم يكن تفسير لينكولن للدستور و رأيه في مسألة الانفصال سائدين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، حيث لقي الانفصاليون تعاطفاً من قبل الكثير من أعضاء الحزب الديموقراطي. بل إن حزب لينكولن الجمهوري كان منقسماً على نفسه في مسألة إرغام الولايات المنفصلة على العودة للاتحاد، و إن كان رأي لينكولن هو رأي الأغلبية في الحزب آنذاك. لذلك قرر لينكولن الإحجام عن البدء بالقتال، على أمل استدراج الجنوب لبدء إطلاق النار.

كانت الولايات المنفصلة قد استولت على معظم مرافق الحكومة الفيدرالية في أراضيها بعد إعلان الانفصال، و لم يحاول الرئيس السابق جيمس بيكانون في الأشهر الأخيرة من رئاسته منعهم من ذلك، فلم يتبق لواشنطن سوى مكتب لجباية الجمارك في قلعة سمتر ضمن ولاية ساوث كارولينا على ساحل المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى حصنين آخرين. و من باب إصرار لينكولن على ديمومة الوحدة فإنه أعلن فور توليه الحكم أنه لن يتنازل عن حق الحكومة الفيدرالية في جباية التعرفة الجمركية على صادرات الجنوب، فرفض مطالبة حكومة الجنوب له بالتخلي عن قلعة سمتر. حاصرت قوات الجنوب القلعة على إثر ذلك و أطلقت النار لدفع القوات الفيدرالية فيها على الانسحاب فنجحت في ذلك في أبريل من عام 1861، فسميت الحادثة بعد ذلك بمعركة حصن سمتر، التي كانت الشرارة الرسمية الأولى للحرب الأهلية الأمريكية.


طالب لينكولن بعد ذلك مباشرة الولايات الاتحادية بإرسال ما لديها من قوات للشروع في إخضاع الولايات المنفصلة، فأعلنت أربع ولايات جنوبية على الحدود بين الاتحاد و الكونفدرالية انفصالها عن الحكومة الاتحادية و انضمامها إلى كونفدرالية الجنوب، و كانت هذه الولايات هي فيرجينيا المتاخمة للعاصمة الاتحادية واشنطن، و تينيسي، و نورث كارولينا، و أركنسو. أما ولايات ميزوري و كنتكي و ماريلاند و ديلاوير الممارسة للعبودية، فقررت البقاء ضمن الاتحاد.

عيّن لينكولن بعد ذلك الجنرال ماكلينن قائداً عاماً لقواته في الحرب، و قد كان لينكولن واثقاً من الانتصار في فترة قصيرة نظراً لفارق الإمكانيات المادية بين الشمال و الجنوب و تفوق الشمال على الجنوب من حيث عدد السكان. إلا أن الجنوب كان يضم في صفوفه العديد من الضباط المتمرسين ذوي الخبرة من الحرب المكسيكية، بينما كان الشمالي ماكلينن محافظاً في استراتيجيته، فاستمرت الحرب لشهور طويلة حصلت فيها أعنف المعارك في التاريخ الأمريكي. و على عكس ما توقع لينكولن، قام الجنوبيون باختراق جريء لأراضي الشمال تكبد فيه الطرفان المزيد من الخسائر الكبيرة في الأرواح. و قد استاء لينكولن من جنراله ماكلينن على إثر ذلك و حمّله مسؤولية عدم التقدم في الحرب، حتى قال في رسالة له "إذا كان الجنرال ماكلينن ليس في حاجة إلى جيشه، فليسمح لي باستعارته منه إلى حين".


أقال لينكولن ماكلينن من منصبه في مارس من عام 1862 و عيّن بدلاً منه يوليسس غرانت. و استمر السجال بين الطرفين مع تقدم بطيء للشماليين، نجم عنه معارك طاحنة من أشهرها معركة غيتيسبرغ في ولاية بنسلفانيا الشمالية في يوليو من عام 1863. و قد زار لينكولن أرض المعركة فور انتهائها و ألقى إلى جنده أشهر خطاباته، "خطاب غيتيسبرغ"، وظّف فيه قدراته البلاغية المعروفة لتبريير الحرب، فربطها بحرب الاستقلال عن بريطانيا في القرن الثامن عشر، و قال إنها امتداد لتلك الحرب، و أنه لا بد من تقديم التضحيات كي لا ينقرض "حكم الشعب من قبل الشعب لأجل الشعب" من على وجه الأرض، هذا على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أي أطماع جنوبية في بسط نفوذهم على الشمال.

في سبتمبر من عام 1863، أصدر لينكولن "إعلان التحرير" الذي قضى بمنع الرق في الولايات "الثائرة"، مريداً بذلك ضرب الاقتصاد الجنوبي و إغراء العبيد بالانفلات من ملاّكهم. والجدير بالذكر أن القرار لم يشمل الولايات الجنوبية الأربع التي بقيت ضمن الوحدة.

لقد كانت استراتيجية لينكولن و غرانت تعتمد على استغلال الثروة البشرية و الاقتصادية للشمال في إنهاك الجنوب الأقل ثروة و إن تطلب ذلك معارك دامية و آلاف الخسائر البشرية. و قد أدى استمرار الحرب على هذا المنوال و الخسائر المتراكمة، إضافة إلى التجنيد الإجباري، إلى ازدياد مشاعر المعارضة للحرب في الشمال، و اجتمعت القوى المناهضة للحرب حول الحزب الديمقراطي. و كان "إعلان التحرير" قد زاد من المشاعر المضادة للحرب، إذ أوحى الإعلان للرأي العام الشمالي أنهم باتوا يخوضون حرباً من أجل "الزنوج" بدلاً من حرب لتوحيد البلد. فازدادت المظاهرات و أعمال الشغب، إلا أن لينكولن لم ينثن عن موصلة القتال. و في مواجهة المعارضة أمر لينكولن بإقفال العديد من الصحف و المجلات و سجن عدد من المعارضين، حتى إنه أمر قواته بسجن أعضاء المجلس التشريعي لولاية ماريلاند عندما علم بنيتهم التصويت للانفصال عن الاتحاد.



مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 1864، اختار الحزب الديموقراطي الجنرال المقال ماكلينن مرشحاً عنه لخوض الانتخابات ضد لينكولن، و قد كان مؤيدو الحزب يطالبون بعقد مؤتمر للسلام لإيقاف الحرب. إلا أن استراتيجية لينكولن كانت قد بدأت بإيتاء ثمارها في ذلك الوقت فوصلت قواته إلى عمق الجنوب و استولت على مدينة أتلانتا المهمة في ولاية جورجا، وقد خلفت القوات الاتحادية دماراً كبيراً و مقصوداً في مدن الجنوب و بنيته التحتية و مرافقه، وسميت هذه السياسة وقتذاك بـ"الحرب الشاملة" (Total War)، فكانت مبدأ جديداً في خوض الحروب. وقد أدت هذه الانتصارات التي بدأت بالتسارع إلى إضعاف قوى المعارضة في الشمال بشكل كبير ففاز لينكولن بالانتخابات فوزاً ساحقاً.

بعد ذلك بأشهر قليلة، في التاسع من أبريل عام 1865 بالتحديد، استسلم كبير الضباط الجنوبيين، الجنرال روبرت لي، فانتهت بذلك فعلياً الحرب الأهلية الأمريكية، بعد مقتل ما يزيد عن 600,000 من الطرفين و جرح عدد كبير من الآخرين، و خسائر مادية ضخمة في مدن الجنوب التي أضرمت في كثير منها النار.


كان لينكولن يميل إلى اتخاذ سياسة مرنة و متسامحة نسبياً مع الولايات المهزومة، بخلاف الكثير من أعضاء حزبه الذين كانوا أكثر تطرفاً. أما بخصوص العبيد، فعلى الرغم من معارضته للعبودية و قضائه عليها بشكل كبير، إلا أنه لم يكن مؤمناً بالمساواة بين الأعراق، و كان يميل إلى الرأي القائل بإرسال السود المعتوقين إلى جزر الكاريبي أو سواحل إفريقيا حفاظاً على السلم الأهلي من وجهة نظره، و إن لم يقم عملياً بشيء في ذلك الصدد.


ثورة الهنود الحمر

حصلت في عهده ثورة لقبيلة السو الهندية في ولاية مينيسوتا في الشمال الغربي للبلاد، تم القضاء عليها و إعدام ما يقارب الثلاثمائة من الثوار بعد توقيع لينكولن على قرار الإعدام.



في الرابع عشر من إبريل عام 1865، بعد أيام من استسلام الجنوب، حضر لينكولن مع زوجته مسرحية في مريلاند يمثّل فيها مجموعة من المتعاطفين مع قضية الانفصال، فقام أحدهم، جون ويلكس بوث، بإخراج مسدسه و إطلاق النار في رأس لينكولن فأرداه قتيلاً.

وخلف لينكولن في الرئاسة نائبه أندرو جونسون. وعلى الرغم من نظرة جونسون المحافظة والمتفقة مع لينكولن حول كيفية التعامل مع الولايات المهزومة، إلا أن المتشددين من الجمهوريين، بسيطرتهم على الكونجرس، حادوا فيما بعد عن سياسة لينكولن وكانوا أقل تسامحاً مع المشاركين في الثورة الجنوبية.




بسبب إخماده ثورة الجنوب، و ما نتج عن ذلك من القضاء على العبودية، يعد لينكولن في أمريكا المعاصرة أحد أعظم الذين تولوا رئاسة البلاد، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، حيث يعتبر بمثابة المؤسس الثاني للولايات المتحدة. ويكاد يجمع على ذلك كل من الديمقراطيين و الجمهوريين. و يوجد له في واشنطن نصب ضخم بتمثال كبير له منقوش في أسفله كلمات من خطاباته و قراراته، ويقع بمواجهة مقر الكونگرس.

غير أن لينكولن لم يسلم أيضاً من الانتقاد من بعض المحافظين و الملتزمين بالتفسير الحرفي للدستور، و خصوصاً من أهل الجنوب، فاختلفوا معه في شرعية إجبار الولايات المنفصلة على العودة للوحدة من الناحية الدستورية، كما انتقدوا فيه ما رأوا أنه قلة اكتراث بالخسائر البشرية و إيمان بالانتصار بغض النظر عن الثمن، كما اتهموه بسن مبدأ "الحرب الشاملة" و ما فيها من استهداف للمدنيين و المرافق المدنية و جعلها استراتيجية مقبولة في الحروب، و انتقدوا أيضاً القيود التي وضعها على حرية التعبير أثناء خوضه الحرب و سجنه للمعارضين.

اودا نوبونغا

اودا نوبونغا 
اول الثلاثه موحدين اليابان 
(1534-1582 م)



أودا نوبوناغا (織田 信長) ع(1534-1582 م): قائد ياباني ومن أكبر الجنرلات الذين عرفهم تاريخ البلاد. كان أول الثلاثة الذين ساهموا في توحيد اليابان بعد فترة الانقسامات. 

النشأة والصعود

ولد "نوبوناغا" سنة 1534 في قلعة ناغويا في مقاطعة أواري، ورث ولما يبلغ الـ17 من العمر بعد الحكم عن والده الذي كان سيدا على منطقة أواري، كانت تركة أبيه له تتمثل في القلعة والأراضي المحيطة بها. انطلاقا من أراض عشيرته (عشيرة أودا) المتواضعة في منطقة أو-واري(尾張) وعلى امتداد الـ31 سنة المقبلة ارتقى نوبونوغاوتوسع شيئا فشيئا ثم هزم منافسيه من العشائر الأخرى، رغم تفوقهم في العدة والعدد حتى دانت له بلاد اليابان بأكملها.

لم يتورع عن إزاحة كل من كان يقف في وجه طموحاته، قام بتصفية أخيه "نوبويوكي" (信行)، ثم نفى والديه حتى يحد من نفوذهم عليه. بدأ سنة 1560 م أولى مواجهاته مع "إيماغاوا يوشي-موتو" (今川 義元) سيد عشيرة الـ"إيماغاوا" القوية. على رأس قوة مشكلة من 3000 رجل فقط استطاع "نوبوناغا" أن يهزم خصمه وجيشه الذي عد 25.000 جندي في معركة "أوكي-هازاما" (桶狭間). بعد هذا الحدث تمكن "نوبو ناغا" من أن يوسع ممتلكاته، كما أنطلق في مغامرته الجديدة لتوحيد كامل البلاد تحت إمرته. كان تحالفه مع "توكوغاوا إيئه-ياسو" (徳川 家康)، من أحسن المناورات التي أنجزها في حياته، وفر له حليفه الجديد غطاءا يحمي به ظهره، ركز بعدها جهوده على الجبهة الغربية للبلاد. بعد أقل من 8 سنوات ارتقى "نوبوناغا" ثم أصبح السيد المطلق على البلاد عندما استولى على "كيوتو" (العاصمة الإمبراطورية) سنة 1568 م. قام بعدها بتعيين الشوغون الجديد "أشيكاغا يوشي-آكي" (足利 義昭)، والذي كان يتمتع بصلاحيات محدودة جدا

المغامرة الجديدة

لم يتوقف طموح "نوبو ناغا" عند هذا الحد. بدأ حملات جديد كان هدفها الحد من هيمنة بعض كبار زعماء

. قام سنة 1573 م بخلع آخر الـ"شوغونات" ("باكوفو" 幕府) من أسرة الـ"أشيكاغا"، ورغم إلحاح الإمبراطور رفض "نوبوناغا" أن يتلقب بالـ"شوغون" (将軍)، مكتفيا بلقب آخر كان رمزيا أكثر.

الحاكم المطلق

بدأ خصوم "نوبو ناغا" في لم شملهم، فقام تحالف مشكل من الشوغون الحاكم وعشيرته الـ"أشيكاغا" و"تاكيدا شين-غين" (武田 信玄) أحد أشهر الزعماء الإقطاعيين في عصره وأكبرهم طموحا. استطاع التحالف الجديد أن يهزم "نوبو ناغا" في معركة "ميكاتاغاهارا". إلا أن الأخير لم يلبث أن أعاد الأمور إلى نصابها عندما هزم خصومه في معركة حاسمة أخرى هي "ناغاشينو" (سنة 1575 م). كان "نوبو ناغا" أول القادة من الـ"دائي-ميو" في استعمال البنادق الغربية والتي استجلبت حديثا إلى البلاد.

بعد سلسلة انتصاراته، تشكل ضده تحالف جديد من القادة الإقطاعيين الكبار (الـ"دائي-ميو") ورجال الكهنوت البوذيين. حتى يحد من سيطرة الأديرة البوذية والكهنوتيين البوذيين، أخذ "نوبوناغا" يشجع الحركات التبشيرية في البلاد. سنة 1580 م سقطت آخر القلاع البوذية في اليابان، دير "أوساكا" في يد "نوبوناغا"، أتم بعدها عملية إخضاع بقية خصومه. مع حلول عام 1582 م أصبح "نوبوناغا" سيد اليابان بلا منازع.

النهاية

كانت نهاية "نوبوناغا" مأساوية، إذ لم تمهله الظروف حتى يكمل مهمته. كان "نوبوناغا" في جمع من أتباعه في الطريق إلى مكان تواجد قائده "تويوتومي هيده-يوشي" (豊臣 秀吉) والذي طلب المعونة من سيده. قام أحد كبار أتباع "نوبوناغا" وقادته وهو "أكيشي ميتسوهيده" (明智 光秀) ع(1526-1582 م) باستغلال الموقف (انكشاف "نوبوناغا")، فهاجم على رأس قواته موكب "نوبوناغا" وحاصرهم أثناء إقامتهم في معبد "هونو جي" (本能寺) بالقرب من "كيوتو" لتمضية الليلة. بعد خيانة قائده وتحققه من الهزيمة، فضل "نوبوناغا" أن يضع حدا لحياته، فانتحر ("تسمى العملية "سيبوكو") برفقة أحد أبنائه، بينما كانت النيران التي أشعلها جنود "ميتسوهيده" تلتهم المعبد.

بعد وفاة "نوبوناغا" قام قائده "تويوتومي هيده-يوشي" بمتابعة جهوده لتوحيد البلاد من بعده.

الاثنين، 19 ديسمبر 2011

نبوخذ نصر

نبوخذ نصر 
ملك بابل 
(605 ق.م - 563 ق.م) 



نبوخذ نصر الثاني أو بختنصر أو بختنصر الكلدي هو نبوخذنصر بن نبوبلانصر (605-563)ق.م أشهر ملوك الدولة البابلية الحديثة قاد الجيوش البابلية في معارك حاسمة على منطقة بلاد الشام ودمر عدة ممالك منها مملكة يهوذا في حملتين وسبا الكثيرين من سكان منطقة بلاد الشام إلى بابل. 


صفاته

يعتبر نبوخذ نصر قائداً عالمياً عبر التاريخ، كان يستفيد كثيراً باستخدام الشعوب التي يحتلها مستخدماً ذكاءه، كان يستنفذ كل الإمكانيات البشرية والمادية للشعوب التي يستولي عليها لحد التحكم بحياتهم ،إلا أنه امتاز بتسامحه الديني وحرية الفكر وكان يسمح للشعوب المحتلة أن تعبد الآلهتها، وكان يشارك الشعوب طقوسهم الدينية ويحترم ألهتهم، يعتبر أعظم ملوك بابل وقد اشتهر بلقب (مقيم المدن) فقد كان فاتحاً للمدن لا غازياً، وقد امتاز بأنه يعتمد على مشورة مستشاريه وقد أعترف بمقولته المشهورة ((
أسرته : وهو نبوخذ نصر الثانى ، الملك الوحيد بهذا الاسم الذي جاء ذكره مراراً في الكتاب المقدس لأهمية دوره في التاريخ الكتابي - كما سبق التنويه . ويذكر باسم " نبوخذ راصر " فى نبوتى إرميا وحزقيال . وهو ابن نبوبولاسر ملك بابل ، وقد تزوج امرأتين : " اميتيس " ابنة استياجس ملك الماديين ، ونيتوكريس التى ولدت لــــــه " نبونيدس " وتذكر الآثار أنه كان له ثلاثة أبناء ، أولهما " اويل مرودخ " الذي خلفه (2مل 25 :27) .

(2) مصادر تاريخه : لقد تم اكتشاف أكثر من 500 لوحة مؤرخة بالأيام والشهور والسنين من ملكه . كما يوجد نحو ثلاثين مبنى تحمل نقوشاً تشيد باسمه ، غالبيتها على أحجار اسطوانية أو على الطوب ، بما فى ذلك لوحة " بيت الهند الشرقى " ، وهي عبارة عن لوح من البازلت الأسود عليه 621 سطراً تصف تحصينه لبابل ، وإعادة بناء القصر القديم ، وبناء قصر جديد . كما أن هنـــــــاك 720 ( سبعمائة وعشرين ) سطراً فى نقش وادى برسَّا فى سورية ، تسجل غزواته للبنان ، ونقل بعض أشجار الأرز منها إلى بابل . كما نشر - من عهد قريب - د.ج . ويزمان لوحات مسجل عليها تاريخ الاثنتي عشرة سنة الأولى من حكمه ، سنة بعد سنة . ومن المراجع الأخرى الهامة لتاريخه ، أسفار العهد القديم ( الملوك الثانى ، وأخبار الأيام الثانى ، وإرميا ، وحزقيان ، ودانيال ) وبعض كتابات المؤرخين المتأخرين التى ذكرها يوسيفوس ويوسابيوس .

(3) التاريخ السياسي له : كان نبوخذ نصر الثانى - بلا منازع - أعظم ملوك الإمبراطورية البابليـــة الثانيـــة ( 626 - 539 ق.م. ( ، والتى حكمها مدة 43 سنة ( 605 - 562 ق.م. ) وأبوه هو "نبو بولاسار" ، الذي تحدي جيوش أشور المتداعية ، واستقل بعرش بابل في 23 نوفمبر سنة 626 ق.م . وبعد أن تم تدمير نينوى فى 612 ق.م. على يد الجيوش المتحالفة من بابل ومادي ، نقلت أشور عاصمتها غرباً إلى حاران التى احتلها نبوبولاسار في 610 ق.م. بدون عناء كبير ، ولم نعد نسمع شيئاً عن آشور بعد 609 ق.م.

وكانت النتيجة المباشرة لانهيار آشور ، هو استعادة مصر لسيطرتها على يهوذا لفترة قصيرة ، فأصبح نخو الثانى فرعون مصر ( 609 - 593 ق. م. يخلع ملوك يهوذا ويولي من يشاء ، إلى أن حدثت موقعة كركمــــــيش ( إش 10: 9 ، إرميا 46 : 2 ) التى هزمت فيها جيوش بابل بقيادة نبوخذ نصر ، ولي عهد مملكة بابل ، القوات المصرية ( يمكن الرجوع إلى "كركميش " فى موضعها من الجزء السادس من دائرة المعارف الكتابية ) .

وعن طريق الألواح البابلية المكتشفة حديثاً ( والمذكورة آنفاً ) يمكننا تحديد التاريخ الذى حدثت فيه موقعة كركميش بأكثر دقة ( مايو / يونيو 605 ق.م. ) . وتبدو أهمية هذه المعركة فى ما جاء عنها فى نبوة إرميا ( 46 : 2 – 12 ) ، وكتابات يوسيفوس ، إذ بها زال نفوذ مصر فى فلسطين ، كما بدأ نجم نبوخذ نصر فى البزوغ . وفى 16 أغسطس سنة 605 ق.م. توفى نبوبولاسار ، وحالما بلغ الخبر نبوخذ نصر، تخلى عن مطاردة فلول الجيش المصرى ، وهرع إلى بابل للاستيلاء على العرش ، وتم تتويجه فى 7 سبتمبر سنة 605 ق.م. وعاد بعد ذلك إلى قيادة جيشه فى الغرب واستأنف فتوحاته فى سورية .

وما حل عام 603 ق.م. حتى كان نبوخذ نصر قد أصبح سيداً لكل سورية وفلسطين ، ونقل يهوياقيم - ملك يهوذا - ولاءه من مصر إلى ملك بابل ( 2 مل 24 : 1 .( ودمر نبوخذ نصر أشقلون ) فى فلسطين ( فى طريق عودته إلى بابل فى فبراير 603 ق.م. وتوجد بردية بالأراميــــــــة ( محفوظة بالمتحف المصرى بالقاهرة تحت رقم 86684 ) عبارة عن خطاب من حاكم أشقلون ( قبل تدميرها ) إلى فرعون مصر طلبا للنجدة .

وزحف نبوخذ نصر مرة أخرى إلى مصـــــــر فى 601 ق.م. وتقابل مع الجيوش المصرية قرب حدود مصر في معركة غير فاصلة ، خسر فيها كلا الطرفين خسارة كبيرة . ومن الجلي أن يوياقيم رآها فرصة سانحة للتمرد على بابل والامتناع عن دفع الجزية ( 2مل 24 : 1 ) . ورغم هذه الظروف غير المواتية ، فإن نبوخذ نصر لم يكن ليسمح ليهوذا بالمروق عن طاعته ، فدفع غزاة من المرتزقة مع غزاة من جيشه لمهاجمة يهوذا ( 2 مل 24 : 2 ) .

ثم زحف نبوخذ نصر بالقوات الرئيسية من جيشه على يهوذا ( 2 مل 24 : 10 و 11 ) فى ديسمبر 598 ق.م. ويقول كاتب الحوليات البابلية عن أحداث 597ق.م. إن نبوخذ نصر حاصر مدينة يهوذا ( أورشليم ) ، وفى اليوم الثانى من شهر أذار ( 16 مارس ) فتح المدينة وأسر الملك ( يهوياكين ) وأقام على عرش يهوذا متنيا ( عم يهوياكين ) ودعاه " صدقيا " . وكان الملك يهوياقيم قد مات في نفس الشهر الذى بدأ فيه نبوخذ نصر الزحف على يهوذا ، وذلك في ضوء حقيقة أن ابنه يهوياكين ( 2 مل 24: 6 ) لم يملك سوى ثلاثة أشهر وعشرة أيام ( 2 أخ 36 : 9 ) ، وإن كان سفر الملوك ( 2 مل 24 : 8 ) يذكر المدة بالتقريب على أنها ثلاثة أشهر ، قبل حصار نبوخذ نصر لأورشليم فى ديسمبر 598 ق.م. .

وقد سار نبوخذ نصر على نهج أسلافه من ملوك أشور منذ عهد تغلث فلاسر الثالث ، فى نقل الملك يهوياكين وأسرته ورجال حاشيته ورؤسائه - وكل من كان يحتمل أن يثير مقاومة - إلى بابل ، ولم يترك إلا مساكين شعب الأرض ( 2 مل 24: 12- 16 ، 2 أخ 36: 10 و إرميا 22 : 24 - 30 ، 52 : 28 ) . كما أمر نبوخذ نصر بإحضار رهائن من النسل الملكي ومن الشرفاء ، الذين كان منهم دانيال وأصحابه الثلاثة ( دانيال 1 : 1 - 7 ) كما أخذ نبوخذ نصر خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك . وكسَّر كل آنية الذهب التى عملها سليمان ملك إسرائيل فى هيكل الرب ، وسبى " كل الرؤساء وجميع جبابرة البأس ... وجميع الصنّاع والأقيان " ( 2مل 24: 13و 14 ) .

كان يمكن أن يظل صدقيا موالياً لنبوخذ نصر لو لم تطرأ عدة عوامل - خارج إرادته - علـــى الموقف السياسي . فقد ظل عدد كبير من اليهود - سواء في أورشليم أو في بابل - يعتبرون يهوياكين الملك الشرعى ، والنبى حزقيال نفسه كشف عن مشاعره الحقيقية فى هذا الصدد بأن أرخ لنبوته " بالسنة الخامسة من سبي يهوياكين الملك " ( حز 1 : 1و2 ).

ورغم هزيمة مصر في كركميش - التى أضعفتها كثيراً - فإنها ظلت تمارس بعض النفوذ فى شئون الشرق الأوسط ، علاوة على انتشار التمرد ضد بابل ، ليس في أورشليم وحدها ( رغم تحذيرات النبي إرميا لشعبه من التمرد عليها ) ، بل أيضاً بين شعب نبوخذ نصر نفسه . وفى 595/594 ق.م. وجد نبوخذ نصر أنه من المحتم عليه أن يبقى في بابل لإخماد تمرد محلي فيها . وفي السنة التالية أعلن حننيا - النبي الكذاب في أورشليم - أنه في غضون سنتين سيرجع كل الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل ( إرميا 28: 1 - 4 ) ، ولعل حننيا بلغه شيء عن التمرد الحادث في بابل ، ورأي فيه علامة على أن التمرد سيتسع . على أي حال فقد أعلن إرميا كذب أقوال حننيا ، ونصح المسبيين بأن يواصلوا حياتهم بهدوء في بابل ، لأن الرب قد أعلن له أن إقامتهم في بابل ستطول ( إرميا 29 : 1 - 23 ) .

واستمع صدقيا ملك يهوذا لمشورة إرميا الحكيمة ، بعض الوقت . ويبدو مما جاء فى نبوة إرميا ( 51 : 59 ) أنه في نفس السنة التى أعلن فيها حننيا نبوته الكاذبة - والأرجح أنه نتيجة لها - استدعى نبوخذ نصر صدقيا إلى بابل ليتأكد من مدى ولائه له ومن الواضح أن نبوخذ نصر اقتنع بأقوال صدقيا ، فأبقاه على عرش يهوذا . ولكن صدقيا وجد نفسه - في السنوات التالية - غير قادر على مقاومة حزب المتشيعين لمصر من شعبه ، والمعارضين لبابل ، مما جعله - رغم نصيحة إرميا ( 2 أخ 36: 12، إرميا 21 : 1 - 7 ، 37 : 3-17 - 20 ، 38: 14 - 23 ) يتمرد على بابل ( 2 مل 24 : 20 ، 2 أخ 36 : 13 - 16 ، إرميا 52 : 3 ) .

وفى يناير 588 ق.م. كان نبوخذ نصر يحاصر بجيشه أورشليم ( 2 مل 25 : 1 ، إرميا 39 : 1 ، 52 : 4 ، حز 24 : 1 و 2 ) . وكان جيش بابل قد استولى على مدن يهوذا الحصينة ، الواحدة تلو الأخرى ، حتى إنه عندما كان يحاصر أورشليم ، لم يكن باقياً من مدن يهوذا سوى لخيش وعزيقة ( إرميا 34 : 6 و 7 ) .

وتصوِّر رسائل لخيش التى تتكون من 21شقفة من الفخار، والتى وجدت فى " تل الدوير " ( لخيش الكتابية) فى 1935 و 1938، مدى الرعب الذي اجتاح يهوذا فى أيامها الأخيرة . وكان البصيص الوحيد من الرجاء - في وسط الظروف التي تدعو إلى اليأس - هو انسحاب القوات البابلية وقتياً من حول أورشليم ، لمواجهة زحف الجيش المصري ( إرميا 37: 5 و 11 ) ، والأرجــح أنه كان بقيادة " أبريس " ( حفرع ) فرعون مصر (589 - 570 ق.م. ) ولكن لم يكن ذلك إلا لوقت قصير ، إذ سرعان ما أجبر البابليون جيش مصر على التراجع ، واستأنفوا حصارهم لأورشليم .

وصمدت المدينة على مدى ثلاثين شهراً ، ولكن أخيراً استطاعت جيوش بابل المتفوقة أن تقتحم أسوارها في يوليو 586 ق.م. فى السنة التاسعة عشرة من حكم نبوخذ نصر ( 2 مل 25 : 1 - 4 و 8 ، إرميا 39 : 2 ، 52 : 5 - 7 و 14 ) . وحاول صدقيا والبعض من جيشه أن يهرب ليلاً ، ولكن أُلقي القبض عليه بالقرب من أريحا . وأُخذ صدقيا إلى نبوخذ نصر ، إلى ربلة على نهر العاصي ، وهناك قتلوا أبناءه أمام عينيه ، ثم قلعوا عينيه وقيدوه بسلسلتين من نحاس وجاءوا به إلى بابل ( 2 مل 25 : 5 - 7 ، إرميا 39 : 4 - 8 ، 52 : 8 - 11).

ثم جاء نبوزردان رئيس حرس نبوخذ نصر إلى أورشليم ليستكمل نهب المدينة والهيكل ويحرقهما ويسبي أهلها ، ولم يترك وراءه إلا الفقراء ( 2 مل 25 : 8 - 17 ، 2 أخ 36 : 17 - 20 ، إرميا 39 : 9 و 10 ، 52 : 12 - 23) .

وبعد تدمير أورشليم ، عيَّن نبوخذ نصر " جدليا بن أخيقام " والياً على يهوذا ، ولكن سرعان ما تآمر عليه الباقون من الحزب المعارض لبابل ، وعندما حانت لهم الفرصة اغتالوه في المصفاة ، وقتلوا معه عدداً من اليهود والكلدانيين الذين كانوا معه في المصفاة ( 2 مل 25 : 22 - 25 ، إرميا 40 : 7 - 41 : 3 ) .

وهرب رأس المؤامرة ، إسماعيل بن نثنيا ( من النسل الملكى ) ومعه ثمانــــية رجال إلى بنى عمون (إرميا 41 : 15 ) ، بينما هربت جماعة أخرى - خوفاً من انتقام بابل - إلى مصر ( 2 مل 25 : 26 ، إرميا 41 : 16 - 18) آخذين إرميا النبي معهم ( إرميا 43 : 5 - 7 ) .

أما الدفعة الثالثة والأخيرة من المسبيين ، فقد أُخذت فى 582 ق.م. ( إرميا 52 : 30 ) ، ويبدو أنها كانت حملة تأديبية أرسلها نبوخذ نصر إلى يهوذا عقب مقتل جدليا .

أما الملك صدقيا الذي قلعوا عينيه ، فقد ظل يعانى فى سجنه إلى أن مات أخيراً ( 2 مل 25 : 7 مع حز 12 : 13 ) . ولكن كان يهوياكين - إلى حد ما - أسعد حظاً ، ففى 562 ق.م. أطلق أويل مرودخ ملك بابل ( وابن نبوخذ نصر وخليفته ) سراحه ، وجعله أحد رجال حاشيته ( 2 مل 25 : 27 - 30 ، إرميا 52 : 31 - 34 ) . وكان يهوياكين - قبل ذلك - يُزوَّد بكل احتياجاته ، كما يتضح من عدد من الوثائق الإدارية التى وجدت في أطلال بابل ، والتى ترجع إلى أيام حكم نبوخذ نصر ، وتذكر يهوياكين باعتباره ملك اليهود .

وكانت غزوات نبوخذ نصر في الغرب بعد 586 ق.م. قليلة الأهمية من وجهة نظر يهوذا ، فحصاره لصور ( 585 - 572 ق.م. ) يشار إليه في نبوة حزقيال ( 26 - 28 ، 29 : 18 ) . أما معركته ضد حيوش أمازيس فرعون مصر فى 568 / 567 ق.م. فيبدو أن حزقيال قد أنبأ بها أيضاً ( حز 29 : 19 ) . ومات نبوخذ نصر فى 562 ق.م. بعد 25 سنة من استسلام أورشليم له .

(4) المبانى التى شيدها : بينما يشتهر نبوخذ نصر الثانى - وبحق - كقائد عسكري فذ ، فإنه كان أيضاً بنَّاءً عظيماً . فقد كشفت الأبحاث الأركيولوجية التى قامت بها البعثة الهولندية برياسة " روبرت كولدواى " ابتداء من 1899 م على أن نبوخذ نصر أعاد بناء بابل وحصَّنها وجعل منها مدينة عظيمة حتى استطاع أن يقول : " أليست هذه بابل العظيمة التى بنيتها لبيت الملك ، بقوة اقتداري ولجلال مجدى !" ( دانيال 4 : 30 ) ، فقد أعاد بناء أكثر من عشرين معبداً فى بابل وبورسيبَّا ، كما أنشأ فى بابل شارعاً مرتفعاً يخترق بابل من بوابة إشتار ليمر به موكب الإله " مردوخ ". كما شيد إحدى عجائب العالم القديم السبع وهى حدائق بابل المعلقة من أجل زوجته أمتيس ، ابنة - استياجس ملك الماديين التى جاءت من بلاد جبلية تغطيها الغابات .

ويمكن أن ندرك شيئاً من فخامة بلاطه مما جاء عنه فى نبوة دانيال ( ص 1 - 4 ) . ويمكن الرجوع إلى مادة " بابل - مبانيها " فى موضعها من الجزء الثانى من دائرة المعارف الكتابية .

(5) نبوخذ نصر كمشرع : يوجد فى المتحف البريطانى لوحة نشرها و.ج. لامبرت ، أ.ى .ميلارد فى 1965 ، تشيد بفضائل أحد الملوك كمشرع وقاضٍ ، لا يمكن أن تنطبق إلا على نبوخذ نصر الثانى . فتنسب إليه مجموعة من القوانين ، وكذلك أوامر لتنظيم المدينة ( والتى من الواضح أنها بابل ) .


(6) الديانة : تدل النقوش التى تركها نبوخذ نصر على أنه كان رجلاً متديناً جدّاً حريصاً على القيام بكل العبادات المفروضة لآلهة بابل . وتحتوي النقوش الطويلة التي تركها على ترنيمتين ، تختم كل منهما بصلاة. وكثيراً ما يذكر التقدمات من معادن نفيسة وأحجار كريمة ، وأخشاب وأسماك وخمور وثمار وحبوب . ويجب ملاحظة أن هذه التقدمات تختلف في نوعيتها والغرض منها عن التقدمات عند اليهود . فمثلاً لا يشير أى نقش من النقوش إلى رش دم ، أو إلى الكفارة ، أو إلى الخطية .

(7) الجنون : لا توجد أى إشارة فى نقوش نبوخذ نصر إلى إصابته بالجنون . ونحن لا ننتظر من أى إنسان أن يذكـــــــر عن نفســـــه أنه أصــــيب بالجنون . ويقول : " لانجدون " إنه ليس لدينا سوى ثلاثة نقوش كتبت ما بين 580 - 561 ق.م. فإذا كانت إصابته بالجنون قد استمرت سبع سنوات ، فالأرجح أنها حدثت بين 580 - 567 ق.م. أو ما بين غزوته لمصر فى 567 ق.م. وموته في 561 ق.م. ولكن إذا كانت "السبعة الأزمنة " ( دانيال 4 : 23 ) هي سبعة أشهر - كما يظن بعض العلماء - وليست سبع سنوات ، فلعل ذلك حدث فى أي سنة بعد 580 ق.م. أو ربما قبلها ، فليس ثمة من يمكنه الجزم بذلك . ويذكر نبوخذ نصر في العمود الثامن نقش بيت الهند الشرقي ، الذى يرجع إلى النصف الأخير من حكم نبوخذ نصر ، شيئاً يمكن أن يؤيد ذلك ، إذ يقول : لمدة أربع سنوات لم يسر قلبي بعرش مملكتي فى مدينتى ، ولم أشيد بناء عظيماً ، ولم أستخرج كنوز مملكتى الثمينة ، ولم أسكب أفراح قلبي لمردوخ إلهي فى بابل مدينة ملكي.

(8) الأحلام : لا توجد أي إشارة فى نقوشه إلى :

أ / حلمه المذكور فى الأصحاح الثانى من نبوة دانيال .

ب / التمثال الذي أقامه في بقعة دورا في ولاية بابل .

جـ / أتون النار الذي نجـــــا منـــــه الفتية الثلاثة ( دانيال 3 ) .

وبالنسبة للحلم ، يمكننا أن نقول إن الإيمان بالأحلام كان منتشراً بين كل الشعوب القديمة ، فلم يكن ثمة ما يستدعى الإشارة إلى حلم بعينه . وحوليات آشور نيبال ونبونيدس وأجزركسيس بها الكثير من الإشارات إلى أهمية الأحلام وتفسيرها . ولابد أن نبوخذ نصر أيضاً كان يؤمن بها .

أما بالنسبة للتمثال ، فإننا نعلم أن نبوخذ نصر أقام تمثالاً لشخصه الملكى ( كما فعل أبوه ) . وكانــــت تماثيل "نبو ومردوخ" موضع على محفات يسيرون بها فى مواكب الاحتفال بالعام الجديد ، وأنه كانت هناك تماثيل للآلهة في كل المعابد ، وأن نبوخذ نصر كان يسجد أمــام هذه التماثيل . فإقامة نبوخذ نصر لتمــثال من الذهب ووضعه فى " بقعه دورا " يتفق تماماً مع ما نعرفه عن تدينه الشديد ،

وقد اكتشف مستر " ج . أوبرت " ( J. Oppert) بقايا منصة حجرية مربعة ضخمة ، علي بعد ستة أميال إلى الجنوب الشرقى من بابل ، لعلها كانت قاعدة تمثال الذهب الذي أقامه نبوخذ نصر فى بقعة دورا (دانيال 3 ) .

أما بالنسبة لأتون النار ، فمن المعروف أن أشور بانيبال ملك آشور يقول إن أخاه " شماش - شوموكين " قد أُحرق فى مثل هذا الأتون .

وعدم ذكر نبوخذ نصر لاسم أحد من الأشخاص المذكورين فى سفر دانيال ، ليس دليلاً على عدم وجودهم، فهو لم يذكر فى نقوشه موقعـــة كركميش مع أهميتها البالغة ، أو حصاره لصور أو لأورشليم . والحقيقة هي أنه ليس لدينا نقوش تاريخية كاملة عن نبوخذ نصر ، وكل ما عثرنا عليه لا يزيد عن سطور قليلة متقطعة وجدت في مصر وبابل . 

نبوخذ نصر في كتاب اليهود

يروي التناخ أن نبوخذ نصر حلم حلما وازعجته افكاره فطلب من حكماء بابل أن لا يفسروا له الحلم فقط بل أن يحكوا له الحلم ولما عجز الحكماء طبعا في أن يخبروه بالحلم قرر أن يبيدهم لولا دانيال اليهودي المسبي الذي صلى إلى الرب إلهه والرب أخبره بالحلم وبتفسيره وهذا الحلم عبارة عن اعجوبه وإليك القصه كلها من سفر دانيال الاصحاح الثاني

1 وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلْكِ نَبُوخَذْنَصَّرَ، حَلَمَ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَحْلاَمًا، فَانْزَعَجَتْ رُوحُهُ وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ. 2 فَأَمَرَ الْمَلِكُ بِأَنْ يُسْتَدْعَى الْمَجُوسُ وَالسَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالْكَلْدَانِيُّونَ لِيُخْبِرُوا الْمَلِكَ بِأَحْلاَمِهِ. فَأَتَوْا وَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ. 3 فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: «قَدْ حَلَمْتُ حُلْمًا وَانْزَعَجَتْ رُوحِي لِمَعْرِفَةِ الْحُلْمِ». 4 فَكَلَّمَ الْكَلْدَانِيُّونَ الْمَلِكَ بِالأَرَامِيَّةِ: «عِشْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. أَخْبِرْ عَبِيدَكَ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». 5 فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِلْكَلْدَانِيِّينَ: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ، تُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا وَتُجْعَلُ بُيُوتُكُمْ مَزْبَلَةً. 6 وَإِنْ بَيَّنْتُمُ الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ، تَنَالُونَ مِنْ قِبَلِي هَدَايَا وَحَلاَوِينَ وَإِكْرَامًا عَظِيمًا. فَبَيِّنُوا لِي الْحُلْمَ وَتَعْبِيرَهُ». 7 فَأَجَابُوا ثَانِيَةً وَقَالُوا: «لِيُخْبِرِ الْمَلِكُ عَبِيدَهُ بِالْحُلْمِ فَنُبَيِّنَ تَعْبِيرَهُ». 8 أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّكُمْ تَكْتَسِبُونَ وَقْتًا، إِذْ رَأَيْتُمْ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ خَرَجَ مِنِّي 9 بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِالْحُلْمِ فَقَضَاؤُكُمْ وَاحِدٌ. لأَنَّكُمْ قَدِ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَلاَمٍ كَذِبٍ وَفَاسِدٍ لِتَتَكَلَّمُوا بِهِ قُدَّامِي إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ الْوَقْتُ. فَأَخْبِرُونِي بِالْحُلْمِ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ تُبَيِّنُونَ لِي تَعْبِيرَهُ». 10 أَجَابَ الْكَلْدَانِيُّونَ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالُوا: «لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ إِنْسَانٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَ الْمَلِكِ. لِذلِكَ لَيْسَ مَلِكٌ عَظِيمٌ ذُو سُلْطَانٍ سَأَلَ أَمْرًا مِثْلَ هذَا مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ سَاحِرٍ أَوْ كَلْدَانِيٍّ. 11 وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ، وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ».

12 لأَجْلِ ذلِكَ غَضِبَ الْمَلِكُ وَاغْتَاظَ جِدًّا وَأَمَرَ بِإِبَادَةِ كُلِّ حُكَمَاءِ بَابِلَ. 13 فَخَرَجَ الأَمْرُ، وَكَانَ الْحُكَمَاءُ يُقْتَلُونَ. فَطَلَبُوا دَانِيآلَ وَأَصْحَابَهُ لِيَقْتُلُوهُمْ. 14 حِينَئِذٍ أَجَابَ دَانِيآلُ بِحِكْمَةٍ وَعَقْل لأَرْيُوخَ رَئِيسِ شُرَطِ الْمَلِكِ الَّذِي خَرَجَ لِيَقْتُلَ حُكَمَاءَ بَابِلَ، أَجَابَ وَقَالَ لأَرْيُوخَ قَائِدِ الْمَلِكِ: 15 «لِمَإذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ؟» حِينَئِذٍ أَخْبَرَ أَرْيُوخُ دَانِيآلَ بِالأَمْرِ. 16 فَدَخَلَ دَانِيآلُ وَطَلَبَ مِنَ الْمَلِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَقْتًا فَيُبَيِّنُ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ. 17 حِينَئِذٍ مَضَى دَانِيآلُ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَعْلَمَ حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ، 18 لِيَطْلُبُوا الْمَرَاحِمَ مِنْ قِبَلِ إِلهِ السَّمَأوَاتِ مِنْ جِهَةِ هذَا السِّرِّ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ دَانِيآلُ وَأَصْحَابُهُ مَعَ سَائِرِ حُكَمَاءِ بَابِلَ.

19 حِينَئِذٍ لِدَانِيآلَ كُشِفَ السِّرُّ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ. فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلهَ السَّمَأوَاتِ. 20 أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. 21 وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا. 22 هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ. 23 إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ، وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَأَعْلَمَنِي الآنَ مَا طَلَبْنَاهُ مِنْكَ، لأَنَّكَ أَعْلَمْتَنَا أَمْرَ الْمَلِكِ». 24 فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ دَخَلَ دَانِيآلُ إِلَى أَرْيُوخَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَلِكُ لإِبَادَةِ حُكَمَاءِ بَابِلَ، مَضَى وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «لاَ تُبِدْ حُكَمَاءَ بَابِلَ. أَدْخِلْنِي إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ فَأُبَيِّنَ لِلْمَلِكِ التَّعْبِيرَ».

25 حِينَئِذٍ دَخَلَ أَرْيُوخُ بِدَانِيآلَ إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ مُسْرِعًا وَقَالَ لَهُ هكَذَا: «قَدْ وَجَدْتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي يُعَرِّفُ الْمَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ». 26 أَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ، الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَ عَلَى أَنْ تُعَرِّفَنِي بِالْحُلْمِ الَّذِي رَأَيْتُ، وَبِتَعْبِيرِهِ؟» 27 أَجَابَ دَانِيآلُ قُدَّامَ الْمَلِكِ وَقَالَ: «السِّرُّ الَّذِي طَلَبَهُ الْمَلِكُ لاَ تَقْدِرُ الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلْمَلِكِ. 28 لكِنْ يُوجَدُ إِلهٌ فِي السَّمَأوَاتِ كَاشِفُ الأَسْرَارِ، وَقَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَا يَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. حُلْمُكَ وَرُؤْيَا رَأْسِكَ عَلَى فِرَاشِكَ هُوَ هذَا: 29 أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَفْكَارُكَ عَلَى فِرَاشِكَ صَعِدَتْ إِلَى مَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ هذَا، وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ يُعَرِّفُكَ بِمَا يَكُونُ. 30 أَمَّا أَنَا فَلَمْ يُكْشَفْ لِي هذَا السِّرُّ لِحِكْمَةٍ فِيَّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الأَحْيَاءِ، وَلكِنْ لِكَيْ يُعَرَّفَ الْمَلِكُ بِالتَّعْبِيرِ، وَلِكَيْ تَعْلَمَ أَفْكَارَ قَلْبِكَ.

31 «أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32 رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33 سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34 كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35 فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36 هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ.

37 «أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَأوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38 وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39 وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40 وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41 وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. 42 وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43 وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44 وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَأوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45 لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ».